د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما تأنس بالجلوس في كثير من المجالس، تسمع من يأسف على اتساع رقعة وعدد ونوع السنابات ورسائل التواصل الأخرى الكثيرة والمتاحة في هذا العصر، وأن جلَّ ما تحمله غث لا يسمن ولا يغني من جوع، لا يزيد معين المرء من الثقافة أو المعلومات المفيدة، أو حتى الترويج الهادف لخدمة المجتمع والوطن، ولا يخدم التوجه العام للدولة حتى وإن لم يكن ضده، أي أن الكثير منه هباء منثوراً عبر هذه الوسائل الهائلة، ومن المحزن كما يقول البعض إن أعداد المتابعين تزيد، وتبلغ مئات الآلاف، بل الملايين لدى بعض الأفراد، وهذه حقيقة لا مراء فيها، وستكون حاضرة طالما أن المتابعين تزداد أعدادهم، وسيزيد عدد أصحاب هذا النوع من الحسابات تبعاً لطلب السوق.
لا أفهم سبب التذمر من التردي في المادة المنشورة عبر أدوات التواصل الاجتماعي طالما أن هناك إقبالاً كثيراً من المتذمرين أنفسهم لهذا النوع، رغم وجود مواد كثيرة متاحة تحمل درراً علمية وثقافية وفلسفية وغيرها، متاحة بكل يسر وبجميع اللغات، فلماذا لا ينصرف هؤلاء الكرام إلى موائد البهجة التي تمتلئ بها كتب الأدب العربي وغير العربي، وباللغة العربية الفصيحة، واللهجات الدارجة إن رغبوا ذلك، إنها شكوى بلا معنى، كما هو سائد من التذمر من كثير من الأشياء دون طرق الأسباب لنيل المراد.
أتمنى أن يقوم علماء الاجتماع والباحثون بدراسة عدد الساعات التي يقضيها عينة من المجتمع في متابعة مثل هذه المواد، هذا إذا لم يكن فعلوا، ولم تتح لي الفرصة لقراءته، ولا يحسن ببحث كهذا إن كان موجوداً أن يبقى حبيس المكتبات، فهو مما يستحق النشر والتركيز عليه، لتنوير المجتمع، وتوجيهه لما يخدم المصلحة العامة.
إننا في وقت نحن أحوج إلى أن يكون فيه الاستثمار الأمثل للوقت، والمشاركة في بناء مجتمع قادر على المنافسة في هذا البحر المتلاطم من العلوم والمخترعات التي تبرز علينا في كل ساعة من ساعات الزمن المتواصل، ولدينا - والحمد لله - الشباب القادر على المساهمة في هذا الميدان الواسع للإبداع في مجالات مختلفة.
العالم لن ينتظرنا حتى نفرغ من إسهابنا في النظر إلى ما نحن منه شاكون، وقد شيك بعضنا فلعل شيء ما ينتكشه ، فيخرج الشوكة من عقله ليثوب إلى رشده.
هناك الكثير الذي ينقل كل غث وسمين ويملأ الواتس أو غيره بمواد جلها لا تعني شيئا، فما عليك إلاّ أن تحذف، وحتى نحذف فلابد أن تقرأ لترى أنه غير مفيد، وهكذا تقرأ ما لا تريد دون رغبة منك، وإنما برغبة المرسل الذي اختار ما لا يجدر به اختياره، إلاّ إذا كان هذا هو ما يريد، فليس عليك أن تقرأ ما يريد هو فالحجب أولى.
لا أعلم كم هي نسبة المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي إجمالاً مقارنة بعدد السكان، وهل ما يخص الفرد منها في مجتمعنا مساوٍ لما هو موجود في العالم.
الأغرب أن المشهور ينقل كل شيء فأصبح الناقل أهم أداة ليزداد المشهور شهرة بما يحمله من مواد قد تكون ضارة، أو على أقل تقدير غير مفيدة، وهكذا فجميع المتذمرين من تلك المواد هم الحاملون لرايتها والساعون في نشرها.
والأدهى والأمر تلك المتعلقة بالصحة والتي تحمل تجارب شخصية غير موثقة، ووصفات شعبية خطيرة، لم تتم دراستها، وإقرارها من الجهات ذات العلاقة، والأغرب تلقف بعض الأفراد لها وتجربتها على أغلى ما لديهم، وهي صحتهم، رغم أن الاستشارات الطبية متاحة بمبالغ مالية، ودون مبالغ مالية، والتغذية عنصر حيوي ومهم في هذا المضمار، والساحة مليئة بالناصحين غير العارفين، ومع هذا فبعضهم ينساق وراء وهم لا أساس له، وقد لا يعلم أن من أوصى بذلك دون توثيق علمي إنما همه المردود المادي.
الأموال التي يحصل عليها أصحاب المواقع المعروفة هي حق لهم، ولا يجب أن ننكرها عليهم أو نستغربها، فالله يوزع الأرزاق، ولم ينالوا تلك المبالغ إلاّ أن السوق كان يتلقف بضاعتهم، فلماذا لا يبيعون في سوق مليء بالطلب، إنه قانون العرض والطلب الذي يقوم عليه علم الاقتصاد.