د. سعيد بن محمد المليص
اسم لا ينصرف، لا أعلم لماذا أتتني هذه العبارة لأستهل بها جزءًا من ذكرياتي مع أبي طلال.. سعدت برؤيته مع مئات الآلاف من المشاهدين عبر الشاشة الفضية من خلال تقاريره ومقابلاته التي كنا نترقبها ولا زلنا نستعيد بعضها -بالرغم من قدمها- لاحتوائها شواهد تاريخية على حقب من تاريخ هذه البلاد في مجالات شتَّى.
وحين عدت في بداية هذا القرن سعدت بزمالته في لقاءات عدة بين قطاعي التعليم العالي والتعليم العام. فكان كل منا يمثل قطاعه في لقاءات متعددة. تكرَّم عليَّ معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الخويطر والأخ الدكتور سعود الجماز بالنيابة عنهم في لجان عدة، منها لجان مشتركة بين قطاعي التعليم. وكان عبدالرحمن بلطفه وأدبه الجمِّ، وثقافته الواسعة، وعلمه الغزير يشعر من أمامه أنه يتعلم منه. لقد جمعني الله به مرارًا تحت قيادة الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي الأسبق، ثم معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمهم الله جميعاً-.
وأذكر من تلك المناسبات اجتماع وزراء التربية والتعليم في دول مكتب التربية العربي لدول الخليج ومن بين الوزراء كان وزير التربية العراقي قبل الغزو. وعند نهاية اللقاء كان قد طلب من معالي د. عبدالعزيز الخويطر (وزير التعليم العالي والعام) أن يستضيف الوزراء وكاملَ الوفود في منزله الأول بالمحمدية. وحين ذهبنا للغداء وكنت حديث عهد بالجنوب وطقوس الضيافة فيه، فتوقعت أن أبا طلال سيقوم بذبح الخراف حسب المقامات، وحين نادى الجمع بأن يتفضلوا للغداء فوجئت بأننا أمام (بوفيه) فيه كل ما لذَّ وطاب من أنواع الأطعمة والمقبّلات.... إلخ؛ وغابت الخراف، ولأنني أعرف أريحية أبي طلال فقد قلت له بعد أن انفض الجميع (كنت أتوقع أنك ستذبح خرافا متعددة.... إلخ.. فقال: يا أبا محمد اليوم المناسبات مثل هذه إنما هي للمؤانسة ولم تعد لملء البطون كما سبق. هنا تذكرت القول المأثور (طعام الملوك مؤانسة).. ومن تلك الفرص كان هناك اجتماع لأصحاب المعالي وزراء التعليم العالي في ليبيا بعد الضربة التي لحقت ببيت الرئيس معمر القذافي، وكانت رئاسة الاجتماع للمملكة. حينها تلقيت هاتفاً من معالي الدكتور عبدالعزيز بأن عليَّ أن استعد للسفر مع أبي طلال في طائرة خاصة بعد ساعات إلى ليبيا بناء على التوجيه السامي لنمثّل المملكة. وحين وصولنا طلب مني أن أرأس الجلسة الأولى نيابة عنه، وحاولت جاهداً أن لا أسبقه ولكن إصرار عبدالرحمن -يرحمه الله- جعلني لا أنام إلا بعد إعداد ما يجب قوله وفعله.
وحين بدأت الجلسة وإذا وجه أبي طلال يشع سرورًا فعرفت رضاه. وصعد إلى المنصة قائلاً: هكذا الرجال يا أبا محمد..!.. رحم الله عبدالرحمن.
ولعل موقفًا طريفًا حصل لي معه في ذلك المؤتمر بأن قام العقيد القذافي -رحمه الله- بإهداء رؤساء الوفود صناديق جميلة محفوفة بلفافات أجمل والأعضاء بهدايا أخرى. وحينما ذهبت معه إلى جناحه بادرني -رحمه الله- بابتسامته الجميلة وقوله: يا أبا محمد ما بداخل هذا الصندوق هدية مني لك، أما الصندوق فاسمح لي بامتلاكه ليكون مستودعا للعود.
ففتحنا الصندوق وكأن أبو طلال يعرف ما بداخله لسابق تجربة فإذا بداخله الكتاب الأخضر وشروحاته.!!.
ثم جمعتني بأبي طلال أجمل فتراتنا وهي الدفعة الأولى في مجلس الشورى مع كوكبة من علماء الأمة في كل فن.. وتكونت اللجان، وكنا جميعاً في لجنة الشئون التعليمية والثقافية. مع حفظ الألقاب الدكتور سعود العلي، د. عبدالرحمن الأنصاري، د. عبدالرحمن الشبيلي، الدكتور منصور الحازمي، الدكتور فهد الحارثي، الدكتور محمد الرشيد، الدكتور محمد الجارالله، الدكتور علي النملة، وعديد من جهابذة الأدب والتربية والتاريخ. وكم كان يطلب من هذه اللجنة أن تجتمع في ظل منزله العامر. وكان رفيق دربه معالي الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل ملازم لمقعدة طوال الأربع سنوات التي قضيناه سويًّا، نتجاذب أطراف الحديث طرفًا وقصصًا وحكايات.
عبدالرحمن الشبيلي كان مثالاً في التواضع، مثالاً في الأثرة، مثالاً وأنموذجًا فذًّا في الكرم.. وكفاه فخراً أسبقيته في كثير من الأمور العلمية والعملية، ومنها الشاشة الفضية، التي تحمل وتسجل له تاريخًا مضيئًا في صفحات الإعلام السعودي.
يا أبا طلال ستظل اسمًا لا ينصرف عن أذهان مَن عرفك.
رحمك الله وعفا عنك، وألهمنا وعائلتك وعزوتك ومعارفك الصبر والسلوان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.