«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
قال قيد المشهد الوطني الدكتور عبد الرحمن الشبيلي: لم ينجذب صاحبنا لفكرة كتابة «ترجمة ذاتية»، وظل يقف موقف المتحفظ أمام دعوات الحديث عن ذكرياته فضلاً عن تدوينها، لعدم اقتناعه بالمبدأ من ناحية، وليقينه بأن بضاعته في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها قيمة تؤهل للرواية، وهي لا تقارن بتجارب كبار، ولا تتماهى مع تجارب مبدعين، ونهج باستمرار على كتمان مواقفها الحساسة وعدم البوح بها؛ كانت ترده مع كل مؤلف يصدره دعوات محبين بأن الأوان قد حان لمثلها، وصار البعض يقول: اكتبها واتركها للزمن، كناية عن أن المعنى بها صار يسبح في خريف العمر، وقد لا يكون له من الذاكرة ما يعين، وأنه «يقف على عتبة دنياه ليستقبل أجل الله»، كما قال الشيخ الشعراوي؛ إن ما قدمه من إسهام ثقافي لا يكفي مسوغاً لها، لا سيما أن في مخيلته بقية لمشروع لم يكتمل بعد، ويستغرب اكتظاظ معارض الكتب بسير غير ناضجة للعيد من المستعجلين! فالسير الذاتية أمانة تدوين وضمير ومسؤولية وتوثيق.
هكذا وقف الشبيلي من موقف سيرته التي سيدونها شاهدا على مسيرة عقود علمية، وعملية تزاحمت فيها المسؤوليات بمناكب المهام داخل المملكة وخارجها، وكأن الشبيلي -رحمه الله- يضع أكثر من واحد وخمسين مؤلفا في كفة، ويضع «مشيناها: حكايات ذات..»، سيرته الذاتية في كفة أخرى! ولا غرابة أن يقف أبو طلال هذا الموقف الذي يستشعر فيه عقودا، سيسكبها لذاكرة الوطن، ولذاكرة أجيال تتعاقبها أجيال، أمام شاهد من شهود مسيرة بلادنا التي عايشها الشبيلي من موقع المسؤولية، وتفاصيلها من ميادين الإدارة والمهنية والأكاديمية، ليسكب في سيرته (رواية)، من أنفس السير التي كتبها بنبوغ التجربة.. ونضج الرؤية.. الوعي بالفكرة ورسالتها للأجيال في شكل تقديمها، وفي مضامينها السامية، التي تجعل من الواقع مرايا لسيرة ومسيرة يتداخل فيها المكان بالزمان والذات بالمجتمع، والوظيفة بالرسالة، والكلمة بالبحث والكتابة والتأليف، والمنهجية العلمية الرصينة الموثوقة ببيان الأدب وسحر السرد وبساطة الأسلوب السهل الممتع الممتنع!