د.سالم الكتبي
انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية في الأيام الأخيرة بتولي بوريس جونسون رئاسة وزراء بريطانيا خلفاً لرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، حيث يركز الجميع على المقارنة بين شخصيتي جونسون والرئيس الأمريكي دوناد ترامب، وكيف سيؤثر التوافق بين الزعيمين على قضايا الشرق الأوسط.
السفير الأمريكي لدى المملكة المتحدة وودي جونسون قال إن العلاقات بين البلدين ستكون «رائعة» بعد أن أصبح بوريس جونسون في «داونينج ستريت»، وهذا ما ذهب إليه من قبله الرئيس ترامب ذاته الذي حث البريطانيين على اختيار جونسون رئيساً للوزراء، وكان أول المهنئين لفوزه بالمنصب ورحب بوصوله إلى السلطة، قائلاً إنه سيؤدي «عملاً رائعًا».
والحقيقة أن ثمة توافقًا كبيرًا ستشهده العلاقات البريطانية ـ الأمريكية، التي تشهد بعض الفتور منذ واقعة تسريب البرقيات الدبلوماسية التي كان يبعث بها كيم جاروش سفير المملكة المتحدة لدى واشنطن، ولكن هذا التوافق يعود بالأساس إلى المصالح المشتركة وليس للعلاقات الشخصية وتشابه السمات والتوجهات بين جونسون وترامب، فرئيس الوزراء البريطاني الجديد عازم على المضي في تنفيذ خطة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سواء باتفاق أو من دون اتفاق كما قال، وبالتالي فهو سيحتاج إلى دعم البيت الأبيض في المرحلة المقبلة، حيث يتوقع توقيع «صفقة» للتجارة الحرة تعوض الاقتصاد البريطاني عن خروجه من التكتل الأوروبي.
أما عن التوجهات الشخصية التي يغلب عليها التشابه إلى حد التطابق كما يقول المراقبون والمحللون الذي يطلق عليه البعض منهم «ترامب بريطانيا»، فلا تخلو من نفور، ويكفي أن جونسون الذي كان يشغل منصب عمدة لندن في عام 2015، قد قال خلال زيارة الرئيس ترامب للمدينة إن ادعاء ترامب بأن أجزاء من المدينة «مناطق محظورة» أظهر «جهلاً مروعًا» كما أظهر أنه «لا يصلح أن يكون رئيساً». صحيح أن هذا التصريح لم يترك أثراً يُذكر على العلاقة بين الرجلين، ولم يؤثر على إعجاب بوريس جونسون بشخصية الرئيس الأمريكي، لكنه يشير إلى أن السياسة لا تعرف سوى لغة المصالح.
لا أدرى لماذا يتبارى المحللون العرب في الحديث عن صداقة أي سياسي غربي لإسرائيل وعدائه للعرب، كلما وصل أحدهم إلى السلطة، فالجميع يعرف الآليات السياسية في الدول الغربية والعوامل المتحكمة والمؤثرة فيها، فرئيس الوزراء البريطاني الجديد الذي كتب الكثيرون في الأيام الأخيرة عما يصفونه بالعداء للعرب والمسلمين، واعتبروه أصدق أصدقاء إسرائيل، هو ذاته من سبق أن انتقد حملتها العسكرية على غزة عام 2014، كما وقف وراء تأييد الولايات المتحدة لقرار أممي يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية!
علينا قبل إطلاق الأحكام من دون تأمل أن ندرك جيداً أن السياسة البريطانية تجاه الشرق الأوسط لم تشهد تغيرات كبيرة بتغير رؤساء الوزراء في العقدين الأخيرين، وأن فترة جونسون التي لا يرى البعض أنها ستطول كثيراً، ليست استثناء من هذه القاعدة، فالسياسة البريطانية باتت مرتبطة بالسياسة الأمريكية بشكل واضح في السنوات الأخيرة، وسيتعمق هذا الارتباط بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث يتوقع أن تدور بريطانيا في فلك السياسة الأمريكية بشكل أكثر وضوحاً والتصاقاً على الأقل في السنوات الأولى من مرحلة ما بعد الـ»بريكسيت»، وحتى تتخلص المملكة المتحدة من تداعيات الخروج وتتعافى تماماً من آثاره، أضف إلى ذلك أن بوريس جونسون جاء ليدير ملفاً في غاية التعقيد والخطورة وهو ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت»، ولن يقدم على دراسة أي تحولات في ملفات أخرى.
بالنسبة للسياسة البريطانية تجاه إيران، فيتوقع أن يكون جونسون أكثر ميلاً ودعماً للموقف الأمريكي، ولن يقدم دعماً مجانياً لمواقف ضلعي االترويكا الأوروبية الآخرين (فرنسا وألمانيا) تجاه إيران، فهو لا يتقبل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه مجمل الملفات، وإيران من بينها، وسيميل أكثر إلى تقديم الدعم لسياسة الرئيس ترامب حيال إيران.
صحيح أن جونسون لن يكون أكثر تشدداً وعنفاً في معالجة أزمة ناقلة النفط التي احتجزتها إيران، ولكنه سيحتاج إلى معالجة مختلفة عن سياسات تيزيزا ماي ليثبت وجوده واختلافه، لاسيما أن خطابه السياسي قائم على فكرة استحضار مجد بريطانيا وتاريخها، ما يعني أنه لن يتغاضى كثيراً عن سياسات ملالي إيران ورغبتهم في الاستفادة من حالة الارتباك السياسي التي كانت سائدة في السياسة البريطانية خلال الأسابيع الأخيرة.
لا يجب أن ننسى أيضاً أن ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض، فالخروج من خلال اتفاق بات صعباً للغاية، في ظل رفض جونسون لاتفاق «بريكست» الحالي الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي، ورفض القادة الأوروبيون إعادة التفاوض على الاتفاق، وتأكيد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بأن هذا الاتفاق هو الوحيد الممكن بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، أما الخروج من دون اتفاق فمغامرة غير محسوبة العواقب، ولاسيما إذا قررت أسكتلندا البقاء ضمن الاتحاد، ولا تخفى على عين مراقب تلك التحذيرات التي وجهتها فرنسا وإيرلندا إلى رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون الذي أعلن نيته التفاوض مجددًا حول اتفاق بريكست، حيث اتهمته دبلن بوضع بريطانيا «بشكل متعمد على مسار صدام» مع الاتحاد الأوروبي.