رمضان جريدي العنزي
للصداقة الحقيقية جمالها ورونقها ونكهتها الخاصة، كونها علاقة مودة صادقة ومحبة وإخلاص وعطف ولين، والصديق الحقيقي عملة نادرة كونها ثمينة، والصديق الحقيقي مثل بستان فسيح وثماره يانعة، نهر من الحب والود والتضحية والإيثار، يتميز بالطهارة والبياض والنقاء ورقي الوجدان وحسن المعشر، والصديق الحقيقي هو الملاذ الآمن، والسياج الحامي، والمدافع حين الغياب، والحاضر الدائم في وقت الشدة والحاجة، وتكون الصداقة الحقيقية في أوجها عندما تتوافر فيها أسس المحبة والإخاء والفضيلة والتفاني والإخلاص، وهي تشابه خلق، واتحاد وجدان، ونقاء ضمير، والصديق الحقيقي هو الذي يفرح لفرحك، ويتألم لحزنك، ويجعلك جزءاً مهماً من حياته، يؤثرك على نفسه ويؤازرك، ويتعاهد معك على الحق، ويتواصى معك على الخير والفضيلة، لا يكلفك أكثر مما تتحمَّل، ولا يحمل عليك من سوء قيد أنملة، ولا يثقل عليك بشيء، ولا يحب إلا أن يراك فرحاً سعيداً، ويسعى في مصلحتك كأنه يسعى لنفسه، ويكون لك خير مساعد ومعين، وخير من يخفف عنك هموم الحياة. إن الصداقة الحقيقة تكون مبنية على الاحترام التام، والتقدير العالي، والتسامح الكبير، بعيداً عن اللوم والعتاب والانتقاد الدائم. إن الصديق الحقيقي غالباً ما يكون معدنه ثميناً، وجيناته نادرة، لا يخذلك، ولا يتخلَّى عنك، ثابتاً في مواقفه وقيمه وأخلاقه، وينبذ الخيانة والغدر، وكما يختلف الذهب عن النحاس، والفضة عن الألماس، شكلاً ولوناً ولمعاناً وثمناً وصلابةً وكثافةً، كذلك تتباين الصداقة وتختلف. إن الصداقة الحقيقة تأتي وتنشأ طوعاً، هكذا من غير عقد ولا معاهدة، وهي ليست بالكثرة الكاثرة، ولا بالعدد المهول، بل ثروة لا تقدَّر بثمن. إن كل شيء يأتي خارج نطاق الحب يعتبر ميتاً، وكذلك الصداقة الحقيقية. إن أجمل علاقة في الحياة هي الصداقة الحقيقة المبنية على أسس قوية من الإيثار والحب والوفاء، يقول ليو بوسكاليا: «وردة واحدة يمكن أن تكون حديقتي وصديق واحد يمكن أن يكون عالمي» ويقول الملاكم الراحل محمد علي كلاي: «الصداقة ليست شيئاً تتعلّمه في المدرسة، ولكن إذا لم تكن قد تعلَّمت معنى الصداقة، فأنت حقاً لم تتعلَّم أي شيء». إن الأصدقاء الحقيقيين هم من يجعلون حياتك أكثر متعةً، وأكثر جمالاً وإشراقاً وهدوءاً، فلنجتهد كثيراً بالبحث عن الأصدقاء الحقيقيين، الذين يمتازون بالنبل والرقي والفضيلة والوفاء، وليس الأصدقاء المزيفون، الذين لا هم علة نادرة ولا ثمينة ولا بساتين فرح، الذين يجيدون لبس الأقنعة والبراقع، ويمارسون الازدواجية البغيضة، يهوون الثرثرة، ويجيدون تمثيل الأدوار المتناقضة، ويقولون ما لا يفعلون، والذين يشبهون الظل، يظهر وقت النهار، ويختفي وقت الظلام، وهم مثل الأرض البور، والبيت الخراب، يشبهون الغراب في النعيق، والضفدع في النقيق، والثعلب في المكر والخديعة، فلا شيء أبشع من صديق متلوِّن متقلِّب مخادع، ولا أطيب من صديق صادق ثابت لا يتغيَّر ولا يتلوَّن ولا يحيد ولا يذوب كما يذوب الجليد.