علي الخزيم
مَرَّ زمن كان فيه من يرى (تشدداً بالدين) تحريم تدريس اللغات الأجنبية؛ رغم علمه بأن الله سبحانه هو من يسَّر اللغات وعَلَّمها لخلقه، وهل كان كل الأنبياء والرسل - صلى الله عليهم جميعا - يتحدثون لغة القرآن؛ وهل كان قومهم كذلك؟ هم بُعثوا بلغة قومهم؛ فهل ننكر رسالتهم لأنهم لم يخاطبوا الناس باللغة العربية؟! هي قراءة تأملية استبصارية إيمانية لا غير!
ومثلهم من يتناقلون أقوالاً (لم تصح بالشرع الحكيم) وإنما هي منقولات عن عدد محدود من السلف لعل مَرَدّها إلى ما اصطلح على تسميته بالإسرائيليات، وإليك - كمثال - ما نُقل من تفسير هؤلاء بأن الأرض على قرن ثور، وصرير أقلام الملائكة التي تكتب حسنات وسيئات العباد؛ هكذا صرير الأقلام، لأنهم قاسوا على بيئتهم؛ فأقلامهم أعواد خشبية مبْرِيَّة تُغمس بالدواة لتبتل بالحبر فيصدر عن القلم حين الضغط به على تلك الرقاع من جلد ونحوه صوتاً كالصرير، فلو كان التفسير بوقتنا الحاضر وبيئتنا المُعاشة فلربما قال: سمعوا طقطقة لوحة المفاتيح بالأجهزة الالكترونية، وشاهدوا أشعة الليزر التي تُحوِّل الذبذبات إلى حروف وصور، هل نركن لتقريرهم عمَّا يحدث بالملأ الأعلى المبني على محدودية تصوراتهم بذاك الزمن دون سند شرعي ثابت؟! فمع التقدير لجهودهم وما استطاعوا استنباطه وإيصاله للناس آنذاك وما تَمَكَّنت منه عقولهم بمحاولة فهمه، فإن الإيمان عند المُوحِّدين يرقى للاعتقاد بأن إبداع الخالق سبحانه لا يمكن تخيُّله وتصوره وتحجيمه بمفهوم حقبة زمنية وطالب علم اجتهد لتفسير آية أو حديث أو نص مَرْوِي وقولَبَتِه بما وصل إليه تفكيره وتصوره للمعنى.
ولا يلام ذاك المجتهد إذا سلَّمنا بأن هذا مبلغ علمه وتلك وسيلته، لكن الملامة تقع على من وهبهم الله سبل الاستقصاء والتبصر والمعرفة مع تقدم العلم ووسائل البحث، ولا زالوا يتناقلون تلك التفاسير والنصوص والتدوينات رغم ثبات قصورها عن بلوغ العلم وما يشوبها من نقص الفهم وبلوغ المراد لغياب وسيلة التحقق العلمي - آنذاك - لحكمة يعلمها الله سبحانه، ويزعم من يَجْمَعُون فقرات وأبواب من (بعض) كتب الأقدمين بما يعتريها من غموض ونقص بالمعلومات، وشيء من الخلل بتفسير الظواهر والإشارات القرآنية ومحكم الآيات؛ بأنه تأليف وهو لم يَتَعَدَّ كونه نقلاً، فالتأليف والإبداع والتجديد العلمي والفكري يكون بعبور آفاق أوسع وأشمل بتفسير القرآن الكريم وإيضاح مضامين السنة النبوية بما يتماهى مع المجريات والظواهر الكونية المذكورة بمحكم التنزيل تفسيراً علمياً أقرب للدقة، وكلما جاء جيل من العلماء أوسع إدراكاً وفهماً ممن قبلهم جاؤوا بالمزيد من التفسيرات والحقائق المذهلة المُبَرهِنة على إبداع الخالق سبحانه ودقة تدبيره للكون، فهي جرعات علمية تُضَخ - بقدرة الله وحكمته - بعقول البشر جيلاً بعد جيل، وعلى قاعدة: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ، يقول أحد المفسرين العرب بتواضع جَمْ: (نقول ما نؤمن ونُرجّح بعلمنا المحدود أنه يتفق مع القرآن والسنة، وسيأتي من أصلابنا من سيفسرون القرآن الكريم بما يُذهل العقول، فالقرآن مُعجز للبشر إلى يوم الدين)!