فوزية الجار الله
لم تكن الحياة يوماً درباً ممهداً بأوراق الورد، تحفه أضواء الشموع.. ثمة معاناة ومكابدة لابد منها كي يعيش الإنسان بحد أدنى من الرفاهية والأمن والسلام..
إذا كان الرجل يعاني كثيراً في سبيل النجاح والتفوق فما بالنا بالمرأة، كان هذا الكائن ولا يزال يعاني رغم كافة الجهود والمحاولات لمنحه حقوقه إلا أن الطريق صعب وطويل..
تتشابه ظروف النساء العربيات حيث يعانين الكثير من التمييز ضدهن، تتفاوت هذه الظروف ما بين مجتمع وآخر وأيضاً ما بين عائلة وأخرى..
أشعر بسعادة عظيمة حين أتعرف على سيرة امرأة استطاعت الحصول على النجاح والتفوق من خلال قهر الصعاب والوقوف على قدميها مرة تلو أخرى رغم كافة عوامل الإحباط ورغم المعاناة التي واجهتها.. ثمة حكايات تحدث خلف الجدران بعضها وصلت إلينا حيث ساعدت الظروف على إطلاعنا عليها، لكن ثمة حكايات أخرى خفية لا يعلمها سوى رب عظيم كريم..
اطلعت على حكاية هذه السيدة المغربية المدعوة بـ (ميلودة شفيق) نشأت ميلودة في إحدى القرى الصغيرة، لم يسمح لها بالالتحاق بالمدرسة مثل أشقائها الذكور، لكن تُرِكَتْ لترعى الغنم، والدها القروي كان ينهرها دائماً ويمنعها عن مجرد التفكير في المدرسة فهي للرجال وحسب، بناء على فهمه الخاص الذي استمده من بيئته القروية!.. تم تزويجها في الرابعة عشرة من عمرها، بل كانت تعتبر متأخرة عن قريناتها اللاتي تزوجن في التاسعة والعاشرة من أعمارهن.. انتقلت إلى فرنسا بطلب من زوجها الذي أرادها أن تعمل وتأتيه بالمال لكي يستطيع بناء منزل باسمها واسمه، لكنه لم يكن صادقاً، تقول ميلودة (وفي يوم اتصلت بالبيت فإذا بي أفاجأ بأحد أبنائي يخبرني بأن زوجي قد تزوج بامرأة أخرى شابة في عمر ابنته، لأعود إلى المغرب، في العودة اكتشفت أن شقاء السنوات الثلاث ومجوهراتي التي بعتها لبناء منزل الأسرة ضاع، وأن البيت أيضاً لم يكن باسمي واسمه كما حاول إقناعي في البداية. أحسست بالخديعة، فقررت العودة إلى فرنسا من جديد)..
تغيرت حياتها بأكملها بسبب إصرارها على الحياة وعدم التسليم بالهزيمة، تقول:
(ما غير حياتي هو «قلمي كتابي.. قلمي كتابي...». هو تلك الأحلام التي كانت تراودني وأنا طفلة لأذهب للمدرسة، هو صوت والدي وهو يوصي إخوتي الصبيان بالتعلم ويمنعني، هو ذلك الرجل الباريسي المسن الذي صرخ بوجهي يوما «واش متعرفيش تقراي»، حينما سألته عن اتجاه الباص، هو ببساطة محو الأمية، بدأت في تعلم القراءة والكتابة، حينما اقتربت من سن الخمسين، وهو الشيء الذي فتح عيني على نور لم أكن أبصره من قبل)..
بالصدفة البحتة وجدت نفسها تقدم عروضاً مسرحية بعد أن التحقت ببضع دورات حول التمثيل المسرحي، نالت بضع جوائز وأوسمة أهمها جائزة ووسام من الرئيس الفرنس «ميتران» وبذلك نالت كثيراً من الشهرة في مجالها في فرنسا وفي بلادها إنها الفنانة التي تدعى اليوم بـ«طاطا ميلودة».