رجاء العتيبي
كل ما يتبادله الناس فيما بينهم على أنه نصيحة، هو وجهة نظر وليس نصيحة، لا يمكن أن تكون نصيحة وهي تحتمل الصواب والخطأ، ذلك أن النصيحة بالضرورة صحيحة 100 في المائة، والخطأ الذي تستهدفه النصيحة بالضرورة يكون خطأ 100 في المائة.
والنسبة المئوية الكاملة التي تحظى بها النصيحة جاءت من كونها تنطلق من منطلقات دينية، أو علمية، ينطق به الأشخاص ولا (يقولونها)، لأن ثمة فرقًا من القول والنطق، فالناطق ينقل نصًا ما سمعه، والقول يقول ما سمعه بنقص أو زيادة.
فعلى سبيل المثال: الذي ينصح شخصًا ما بأن يواظب على الصلاة، فهذه نصيحة وليست وجهة نظر، وكلامه صحيح 100 في المائة انطلاقًا من الآيات القرآنية التي تحض على الصلاة، والذي ينصح شخصًا ما بأن يتجنب شراء أرض سكنية أو تجارية على مجرى (الأودية والشعبان) فإن كلامه نصيحة 100 في المائة استنادًا للحقيقة العلمية التي تؤكد أن السيل يعود لمجراه ولو بعد حين، وإن كانت الحقيقة العلمية لا تصل للنسبة الكاملة، ولكننا نعتبرها كذلك تغليبًا للأكثر.
ما عدا ذلك لا يعدو كونه وجهات نظر وتجارب وآراء وربما استشارات، لأن (أقوالهم) تحتمل الصواب والخطأ والشخص المنصوح هو الآخر يملك مبررات لسلوكه ذلك المسلك واتخاذه ذلك القرار، أيهم أكثر صوابًا الناصح أم المنصوح؟ لا يهمنا، المهم أن ما يتبادلونه من أحاديث ونقاش وجدل ليس نصيحة ألبتة، حتى لو قال الناصح أنها نصيحة.
البعض يغلف كل ما يقوله للآخرين (اعمل ولا تعمل) بغلاف النصيحة، ويؤكد أنه ناصح أمين، وإذا لم يمتثل الآخر لكلامه، يتعجب من رفضه قائلاً: «كيف يرفض هذا النصيحة؟»، وهو لا يعلم أن ما قاله ليس سوى (وجهة نظر) قابلة للنقاش ولدى المنصوح مبررات الرفض والعمل بما يراه هو وليس بما قاله الناصح.
وأفشل سؤال يمكن أن يطرح: بماذا تنصح المشاهدين؟ أو القراء؟ أو الحضور؟ هذا السؤال غير الواعي يؤطر وجهات النظر بإطار النصيحة وهي ليست كذلك، ويوهمنا أن ما يقوله المتحدث كلامًا مهمًا، وطالما أنه قال: «إن كلامه نصيحة»، فليأخذ به الناس أنه نصيحة وهذا غير صحيح.
وصفنا للكلام بأنه نصيحة لا يعني أنه نصيحة، طالما أن شروط النصيحة لم تتحقق به، وهي: أنها تنطلق من منطلقات دينية أو علمية، حتى تأخذ النسبة المئوية الكاملة، وإذا لم يتحقق بها هذان الشرطان، تصبح وجهة نظر لا يحق لأحد أن يصفها بالنصيحة، أو يفرضها على الآخرين، أو يتخذ موقفًا من (المنصوح) بزعمه لأنه لم يأخذ بنصيحته على حد وصفه.