خالد بن حمد المالك
نأى سموه عن كل مباهج الحياة وملذاتها، وانصرف في حياته إلى ما يقربه إلى الله، وأمضى سنوات عمره، عابداً، راكعاً، ساجداً، يبتغي رحمة الله ورضاه، لا يغيب عن المسجد، ولا يشغله شاغل عن صلواته في بيوت الله كباقي جيرانه من المواطنين.
* *
هذا هو صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز، الأمير الورع، سحابة الخير في كلمته وحكمته ومجلسه وتعامله مع مريديه من المواطنين، حيث لم يكن يسمع عنه إلا بما يحبب الناس إليه، ويقربهم منه، فمات رحمه الله، ولا يذكر عنه إلا ما يرفع الرأس، في سجاياه وخصاله، ومحبته لكل من ارتبط به علاقة، أو اقترب منه.
* *
لقد عمّر الفقيد الغالي، وبلغ الـ96 سنة ما جعله شاهداً ومعاضداً ومسانداً لكل تطور شهدته المملكة، ولكل استقرار تمتع به المواطنون، وكان حاضراً مع كل إنجاز، مع أن الراحل الكبير كان زاهداً في المناصب، وآثر أن يكون بعيداً عن الأضواء، مكتفياً بالتأييد والمباركة والدعم والنصح لمن تؤول دفة المسؤولية إليه، ومنصرفاً إلى أعمال البر والخير وكل ما يقربه إلى الله العلي العظيم.
* *
كان يقضي - رحمه الله - كل شهور رمضان معتكفاً في بيت الله الحرام، بعيداً عن هموم الدنيا، وملذات الحياة، وفي أوقات أخرى غير شهر رمضان، لا يجد نفسه مرتاحاً وسعيداً دون أن يكون بجوار الكعبة المشرفة، وبين أروقة البيت الحرام.
* *
فما أسعد الإنسان هذه صفاته، وما أجدر بنا أن نقتدي به، ونتعلم من مبادئه، ونكون بين من هو متأثر بمدرسته في الحياة، التي لا تساوي شيئاً أمام التقرب إلى الخالق الباري جل جلاله، كما كان هذا مفهوم الأمير بندر بن عبدالعزيز، وقناعاته منذ بواكير شبابه، وإلى أن بلغ هذا العمر حتى وافاه الأجل المحتوم.
* *
لقد اعتنى فقيدنا بتربية أبنائه، وتعليمهم إلى أن وصلوا إلى أعلى المستويات الدراسية، وإلى أعلى الرتب العسكرية، والمراتب المدنية، فقدمهم هدية للوطن، منهم أمراء المناطق والوزراء والمستشارون، في عمل يؤجر عليه، إذ فطن مبكراً على أن من مسؤولياته أن يؤهل أبناءه لخدمة الوطن في المواقع التي تحتاجها البلاد، فكان أن تبوأ الأبناء هذه المراكز المهمة والحساسة لخدمة الوطن والمواطن في القطاعين العسكري والمدني.
* *
وبلادنا إذ تفقد رجلاً شهماً وخيِّراً وخادماً للوطن، فإن في أبنائه البررة للوطن والمواطن، ما يعوض ألم الفراق، والحسرة على غياب الوالد العزيز، وسيحفظ أبناؤه مسيرته العطرة، ومواقفه المشرفة، وأعماله الخالدة، من خلال مواقعهم ومسؤولياتهم في الدولة، لتبقى شعلة الفقيد الكبير وضاءة، وحياته باقية، وأنهم على خطاه ووفق تربيته سائرون، فرحم الله الأمير الزاهد، والإنسان الخيِّر، والرجل الذي كانت تسبق أعماله أقواله وأقوال الآخرين عنه، الأمير الجليل بندر بن عبدالعزيز آل سعود، وجعل مثواه الجنة خالداً فيها مع الأبرار، و (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).