«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
نعى الديوان الملكي، مساء أمس، الأمير بندر بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - الذي وافاه الأجل يوم أمس، حيث يعد الفقيد من مواليد العام 1923م، حيث يعد الأمير بندر من أكبر أبناء الملك المؤسس - طيب الله ثراه - ومع أنه لم يتقلد أي منصب من المناصب القيادية في الدولة، إلا أنه كان ركن القيادة والرأي والمشورة إلى جانب إخوانه الذين قادوا دفة الحكم في المملكة بعد الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله -.
يعد الفقيد الابن العاشر من أبناء الملك المؤسس، حيث يأتي ترتيبه بعد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمهم الله -، حيث فقد الوطن برحيله قامة إنسانية سيخلدها التاريخ، وقيمة وطنية سيحفظ لها تاريخنا الوطني الكثير من الحب والوفاء، والسيرة العطرة التي ستظل حية حاضرة في مسيرة وسيرة بلادنا، تتعاقب على روايتها الأجيال جيلا بعد الجيل، إذ لا تكاد تذكر مرحلة التأسيس والتوحيد والبناء إلا ويذكر في مقدماتها أبناء الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه - إذ يعد الفقيد الأمير بندر بن عبد العزيز - رحمه الله - أحد رموز الدولة الذين عاشوا مراحل نشأتها وتطورها، وصولا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله -.
في جامعة المؤسس
لقد نهل الفقيد الأمير بندر بن عبد العزيز - رحمه الله - من جامعة والده المؤسس، إذ نهل في مجالسه الخاصة والعامة من معين حكمة القائد المؤسس، وحنكته الإدارية، ورؤيته في النهوض بالمملكة بعد توحيدها نهضة شاملة، كان أول لبناتها التعليم والاهتمام بنهضة الوطن والمواطن، ما جعل من الفقيد الذي نهل من هذه الرؤى في وقت توحيد المملكة وتأسيس كيانها، على مشهد ومسمع من كل تفاصيل بنيان هذا الكيان الذي عاش عقودا في كنفه ما بين مرحلة تأسيس الدولة ونشأتها وتطورها عبر عقود من المسيرة الرائدة.
عاش فقيد المشهد الوطني وعاصر كل هذه المراحل، التي بدأت أولى معايشتها على يد الملك المؤسس، لينهل منه حكمة القائد، وسعة رؤية الإدارة، وعزيمة الإرادة، والتعامل مع معطيات الحياة بروية وحكمة وحنكة، اكتسبها وتعلمها وعاشها عبر حياة امتزجت فيها تربية القائد وتعليمه لأبنائه، إلى جانب الحرص على تعلمهم العديد من المعارف والعلوم التي كان يحب أن يراها من أبنائه مترجمة متجسدة في حياتهم، في مجالسه العامة أو مجالسه الخاصة مع أفراد أسرته، ما جعل من الأمير بندر بن عبد العزيز من أوائل الأبناء الذين نهلوا من جامعة المؤسس الحياتية أسمى القيم الإنسانية، وأدق تفاصيل الاهتمام بالتنشئة والتربية والتعليم والتعلم التي جعلها الملك المؤسس - طيب الله ثراه - مدرسة مشاعة في أبناء شعبه، وأبرز المقومات الحضارية والثقافية التي بنى عليها المواطن السعودي، التي كان يحب أن يراها في أبنائه وأبناء شعبه.
ركن الدولة والمشورة
على الرغم من أن الأمير بندر بن عبد العزيز - رحمه الله - لم يتسنم منصبا قياديا في الدولة، إلا أنه كان قائدا عضيدا لأشقائه ملوك المملكة العربية السعودية - رحمهم الله - وصولا إلى هذا العهد التنموي الزاهر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - لما تميزت به شخصيته التي تخرجت من جامعة والدهم المؤسس من حكمة الرأي، وسداد الرأي، وحسن المشورة، حيث كان الأمير بندر ركنا ركينا في هيئة البيعة، التي كان يمثله فيها ابنه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض.
كان الأمير بندر ركنا في قيادة الدولة، ومحل اهتمام وتقدير أشقائه الملوك، ورأيه محل الاستشارة والاستنارة والاستشراف، من قامة عاصرت تأسيس الدولة وتوحيدها وبناء مسيرتها خلال عقود، ما جعل من فقيد الوطن ركنا في منظومة قيادتنا الراشدة بعد الملك المؤسس - طيب الله ثراه - منذ أيام الملك سعود، ثم الملك فيصل، فالملك خالد، ثم الملك فهد، فالملك عبد الله - رحمهم الله - ما جعل من الأمير بندر في المناسبات الرسمية وغيرها محل احتفاء وتقدير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لما لفقيد الوطن من قيمة إدارية، وقامة في الرأي والمشورة وحسن الروية، وحكمة الرؤية.
الفقيد.. والفقد
كان الأمير بندر بن عبد العزيز - رحمه الله - حاضرا طيلة العقود الماضية (بالصوت / الرأي والمشورة) وحاضرا أيضاً (في الصورة / الكثير من المناسبات الوطنية)، إلى جانب حضوره في ذاكرة الوطن ومواطنيه، إذ إن فقد هذه القامة الوطنية، لا عزاء فيه إلا الإيمان بقضاء وقدر الله - سبحانه وتعالى - ثم في أبنائه الذين ساروا على نهج مدرسة والدهم الذي نهل من مختلف مناهل التربية والمعرفة والعلوم والسياسة والإدارة وإبرام الرأي والمشورة بحكمة وبصيرة وسداد رأي ومشورة، ما جعل من فقيدنا وفقيد الوطن أمراً جللاً لكل من عرف البعد الإنساني وما يحويه من مكارم الأخلاق التي ورثها عن والده المؤسس وورثها لأبنائه من بعده.. ما يجعل من الفقيد حيا في أبنائه بعد رحيله بما يجسدونه مما ورثوه من مكارم الأخلاق، لتظل هذه القيمة التي يودعها اليوم مشهدنا الوطني في الذاكرة، ولتظل هذه القامة الوطنية متجسدة للعيان وللعقول، وللأبصار والبصائر في أبنائه من بعده، الذين نشأوا في مدرسة والدهم امتداداً لجامعة تربوية وقيادية وإدارية، المتمثلة في الملك المؤسس - رحمه الله - ليواري الوطن في ثرى أحضانه الأمير الإنسان، والقامة الركن، الذي سيظل حاضرا في ذاكرة بلادنا، وليظل في ذاكرة أجياله سيرة ومسيرة جيلا بعد جيل.
رمز.. ووطن
لقد فقد الوطن ومواطنوه إحدى القامات التي ستظل في ذاكرة الوطن، وقلب الذاكرة التاريخية لمسيرة المملكة العربية السعودية، نظرا لما عاشه وعاصره الفقيد الأمير بندر بن عبد العزيز - رحمه الله - من ظروف استثنائية ومراحل مرت بها بلادنا، وتحولات حضارية وتنموية شاملة قادها زعماء بلادنا بعد الملك المؤسس - طيب لله ثراه - إذ عاصر الفقيد أشقاءه الملوك، وعايش تفاصيل هذه التطورات التي شهدتها وتشهدها بلادنا، إذ كانت معايشته لها من معايشة لأشقائه قادة النهضة من ملك إلى ملك.. ومن مرحلة إلى مرحلة.. ومن نهضة إلى أخرى.. ما جعل من الفقيد في قلب إدارة الدولة.. وفي بصرها.. ومحل تقديرها واهتمامها، شقيقا بعد شقيق، وقائدا بعد قائد.. ليكون بذلك الفقيد الأمير بندر بن عبد العزيز أحد الرموز الوطنية في بلادنا، الذي كان من موقع سيرته.. ومن مكان مسيرته مع قيادتنا الراشدة، ركناً من أركان الرأي والمشورة.. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح الجنان..
{إنا لله وإنا إليه راجعون}.