عبد الله باخشوين
** زمان.. كنت أعاني من قسوة بعض تجارب حياتي.. سواء تلك التي تضعها (الأقدار) في طريق حياتي (البائسة) كعثرات مدمرة لم ينتشلني من أهوالها سوى رضا الوالدين ودعواتهما لي.
كان أبي إذا غضب مني.. يقول:
- يا عبدالله.. عيب عليك.. أنا صرت مكسوفا من ربي من كثر ما أدعي لك..؟!
لكني لا أذكر أنني أغضبته.. لسبب يجعله يمتنع عن (الدعاء).
أما تجارب حياتي التي قادتي لعثراتها قدمي وإرادتي وعنادي وغبائي الشديد.. فقد هدتني دعوات والدي إلى الطريقة (المثلى) للخلاص من قسوتها.. والتغلب عليها دون أن أفقد (عقلي) أو أرمي نفسي في مهاوي ضياع لا سبيل للعودة منه.
اهتديت للكتابة.. واكتشفت أن مهمة (الكتابة) عن التجربة أو البلوى التي وضعت نفسي فيها أو وضعتها الأقدار في طريقي.. هي أكثر صعوبة وقسوة من التجربة نفسها.
مازلت أذكر ذلك اليوم جيدا.. عندما دخلت البيت وجدت أبي ممسكا بكتاب (الحفلة).. وبادرني قائلاً:
-هيا تعال اقرأ لي كتابك خليني أعرف ايش كتبت..؟!
كان ذلك مجرد فضول من رجل (امي) ليس فيه ما يدعو للغضب أو الحنق.... غير أننى غضبت…؟! وبان الغضب في صوتي وأنا أقول مشيرا لزوجتي وأولادي:
ليش أنا..؟! شوفهم قدامك خليهم يقرولك..؟!
لم يغضب ولم يطلب من أحد ان يقرأ له.. وأكمل رحلة الحياة دون أن يعرف أي شيء مما في الكتاب.
لكني أدركت.. أنه عرف ما بي.
كان من المستحيل عليّ ان أقرأ على مسمعة بعض حالات الحزن والألم الذي رشح أو سقط أو تجسد في بعض ما كتبت.
غضبت لأنني خجلت منه ولم أرغب في أن يرى حزني وألمي.. بل وأدركت لحظتها.. انه عرف جيدا انني لم أكن سعيدا بما كتبت.. وحينها حسدت زميلي وصديقي الحميم (فهدالخليوي) الذي كان يكتب في حالة شعرية عذبة وغامضة قصصاً نجد صعوبة في فهمها مع ذلك كان يذهب الى أمه رحمها الله ليقرأ لها ما كتب ويخرج من عندها سعيدا وبعد أن يسمعها تقول:
-والله يا وليدي مدري وش تقول.. لكن كلامك مشعر بدني.. وخلاني اسمي بالرحمن وأتعوذ من ابليس.؟!
أما أنا فاكتشفت ان عذابي في استعادة التجربة لكتابتها (بطريقتي الخاصة) يكاد يشكل حالة من الألم تجعل ألم التجربة نفسها أهون بكثير من ألم كتابتها... الأمر الذي جعل الكتابة بالنسبة لي تمثل حالة شفاء من عذاب ومعاناة التجربة.
وهذا شيء خطر على ضعاف النفوس والقلوب لكنه منحني قوة عدم الخوف من خوض التجربة مهما كانت قسوتها وخطورتها.. ومنحني القوة والقدرة على عدم الخوف من محاولة كتابتها.. صحيح ان هناك تجارب يستحيل على الكاتب ان يفكر ولو حتى مجرد تفكير في كتابتها.. لكن ذلك لا يمنعه من الخوض في تفاصيلها ليبحث فيها عن شيء يلهمه أو يحفزه ويحرضه على البحث فيها عن حالة بديلة تصلح للكتابة.
أي على طريقة أستاذنا الكبير خالد المالك.. الذي يضيق ذرعاً بما كتبت ويأتيك رده حاسما وهو يقول:
- دع الكتابة في مثل الأمر لذوي الاختصاص..؟!