م. بدر بن ناصر الحمدان
منذ أن بدأ صندوق التنمية العقاري في منح القروض عام 1394هـ وخلال فترة الأزمة السكنية الأولى خلال الأعوام 1390- 1400هـ ظهرت أنظمة البناء المطورة في نسختها الأولى مع بدء وضع أول ضوابط لعملية التنمية الحضرية، وبالرغم من أن تلك الضوابط كانت فاعلة في تلك المرحلة إلا أن التطور العمراني السريع اختزل المدة الزمنية المقررة لها وبدأت تتحول من أداة ضبط وتحكم في إدارة التنمية العمرانية إلى أحد أكبر العوائق التي فرضت قيودًا على تطوير المدن وساهمت في الحد من إيجاد البدائل والنماذج الإبداعية في العمارة والتخطيط.
لعل أبرز مخرجات تلك الأنظمة هو نظام تقييد تعدد الأدوار للمباني السكنية والتجارية، والذي يعتبر عاملاً أساسيًا في نشأة العديد من المخرجات السلبية في عملية التنمية العمرانية مثل المعدلات المتدنية لمنفعة الأرض والكثافة السكانية المنخفضة على الهكتار الواحد، وكذلك ارتفاع تكلفة نصيب الفرد من خدمات البنية التحتية، وعدم تجانس استخدامات الأراضي، وضعف كفاءة شبكة النقل العام، وزيادة ملكية المركبات الخاصة، ونهاية بتضخم المدينة أفقياً بشكل مفرط، وكل هذه العوامل تؤدي حتماً إلى ارتفاع في تكاليف إدارة المدن.
شخصيًا لست مع إجازة نظام تعدد الأدوار «بشكل مطلق» خاصة داخل الأحياء السكنية، لاعتبارات تخطيطية متعددة يعيها ذوو التخصص، لكن من الأهمية أن تتعامل إدارة المدينة بمرونة كبيرة مع أنظمة البناء للاستفادة المثلى من الأراضي المستهدفة للتنمية داخل النطاق العمراني، وخفض الطلب على الاستخدامات المتعددة.
اعتقد أنه من الممكن العمل على إيجاد «نظام بناء مرن» يعتمد على تخصيص مناطق معينة في أجزاء مختلفة من المدينة يتم بموجبها تعيين استخدامات نوعية بها عطفاً على تحليل خصائصها العمرانية، بحيث تكون ارتفاعات المباني والمرافق والخدمات المرتبطة بها تتناسب طرديًا مع ظرفية المكان ومدى قدرته على تحقيق معامل بناء مثالي يوفر مساحات مفتوحة للخدمات المختلفة وتحقيق نصيب الفرد المعياري من الحيز العمراني المعني، حينها يمكن لإدارة المدينة أن تتعامل بمرونة أكثر مع المتغيرات العمرانية المختلفة وتمنح مساحة أكبر لمزيد من البدائل والتجارب الإبداعية ويمكنها من إيجاد عمليات عمرانية فاعلة تتواكب مع الأساليب الحديثة في إدارة المدن وتحريرها من قيود الأنظمة.
ما أود الإشارة إليه هو أن استخدام «معامل مسطح البناء» كأداة رئيسة وملائمة للتعامل مع ارتفاعات المباني والفراغات العمرانية سيمنح مرونة وتكاملاً كبيرين بين مساحة الأرض وعدد الأدوار المفترض الترخيص لها، وسيعزز دور الفراغات العمرانية ووظائفها، وهو معامل رقمي يتم تحديده حسب المنطقة المستهدفة ويستخدم لحساب مسطح البناء، ويساوي ناتج قسمة المساحة الإجمالية بالأمتار المربعة المسموح ببنائها في جميع الطوابق لموقع معين على المساحة الإجمالية للأرض بعد التنظيم.
لقد بات من غير المنطقي أن يكون نظام البناء نسخة موحدة في جميع المدن باختلاف خصائصها وتركيبتها العمرانية، ولم يعد من المقبول أن النظام الذي يطبق على قطعة أرض في هجرة أو قرية أو مدينة صغيرة هو نفسه الذي يطبق على قطعة أرض في مدينة كبرى تمثل مركز حضريًا رئيسًا، حيث إأن ظرفية المكان ومقوماته وطبيعته هي التي يجب أن تحدد مستوى نظام البناء ونمطيته، وهو ما تمثله أبجديات التخطيط والتصميم العمراني.
بكل أسف ما زالت مدننا بطيئة في تطوير أنظمتها من جراء الأطر التي فرضتها تشريعات بناء معقدة ومتقادمة، وأعتقد أننا بحاجة إلى أن ننجز خطوات عملية أكثر ديناميكية لبلورة أفكار إبداعية وطموحة تلبي طموحات سكان المدن وتحقق أحلامهم، وحتى لا تكون مدننا خارج دائرة المنافسة في المستقبل.