د. محمد عبدالله الخازم
نشر مؤخراً خبراً مضمونه التوجه نحو حصر خريجي الجامعات السعودية بغرض منحهم مبلغ الخمسين ألف ريال التي أوقفت منذ عام1407هـ، أي منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وعلى إثر ذلك، غردت بأنني أتنازل عن ذلك المبلغ -باعتباري خريجاً جامعياً لم يحصل على ذلك المبلغ حين تخرجه- شريطة أن يحول المبلغ إلى صندوق لدعم مشروعات الجامعات الحديثة المتعثرة، وهي كثيرة وبعضها حيوي لمنطقته وللجامعة مثل المستشفيات الجامعية. لا أدري هل يتفق معي بقية الخريجين في ذلك التنازل أم لا؟.. لكنني أجزم بأن الغالبية أسقطت من حساباتها تلك المكافأة ولم يعد يعول عليها. سأوضح هنا فكرة تأسيس صندوق خاص بدعم مشروعات الجامعات عبر تلك المكافأة التي يقدر حجمها بمليارات الريالات، بالبدء بمثال عالمي.
قررت الحكومة الأمريكية في بداية الخمسينات مد طرق بين مختلف ولاياتها، وكان التصور هو وضع طرق من مسارين بدون كباري أو جزر في المنتصف، لكن الرئيس آيزنهاور كان أطلع على طرق ألمانيا المكونة من أربعة مسارات (مسارين في كل اتجاه) ومخارجها وجزرها، فقرر تغيير مشروع الطرق الأمريكية بين الولايات ليكون مماثلاً. الإشكالية الكبرى كانت في التمويل، وبالذات والحرب للتو وضعت أوزارها، فكان المخرج حينها تأسيس صندوق لتمويل تلك الطرق دخله يأتي من ضريبة الوقود التي كانت المفتاح لتغيير وجهة الطرق في أمريكا.
الفكرة هنا تكمن في تأسيس صندوق يخصص لمشروعات أو برنامج مشروعات بذاته، وحيث أنني أرى بأن إكمال مشروعات الجامعات المختلفة أولوية تسبق صرف مبلغ خمسين ألف ريال لكل خريج بأثر رجعي يمتد لثلاثين عاماً، فإنني أقترح صندوق دعم مشروعات الجامعات الناشئة. إن لم يكن ممكناً بكامل المبلغ فليكن باستقطاع جزء منه، 30 % مثلاً. الفكرة مماثلة لما سبق أن اقترحته بربط الرسوم التي تقترحها مختلف الجهات هنا وهناك، بمشروعات و صناديق محددة لغرض له علاقة بنوعية الرسوم. على سبيل المثال لا مانع من فرض رسوم على السفر بالمطار، إذا كانت مخصصة لتطوير المطار مباشرة أو كضمانات للحصول على التمويل اللازم لتطوير المطار، وسنرى أثرها في المطار ذاته؛ ولا مانع من رسوم للنفايات تذهب لصندوق معني بتطوير عملية فرز النفايات وإعادة تصنيعها وتمويل مشروعات بيئية ذات علاقة بكل منطقة، تحت إشراف مجالس مستقلة تمثل فيها الجهات ذات العلاقة ومنها المجالس البلدية. مع العلم أن فكرة الصناديق ليست جديدة فهناك -كمثال- صندوق (هدف) الذي تموله الرسوم العمالية ويفترض أن يستخدم للمساهمة في التغلب على البطالة.
عندما تذهب الرسوم أو المبالغ المقترحة لمشروعات أو أعمال محددة، نستطيع الحكم على جدواها ونستطيع خلق آلية رقابية متطورة عليها، عبر نظم حوكمة مقننة وشفافية واضحة. من هنا أكرر دعوتي بتحويل المبالغ التي يفترض صرفها لخريجي الجامعات والبالغة خمسين ألف ريال لكل خريج، إلى صندوق مستقل معلن حجمه وآليات عمله لدعم مشروعات الجامعات الناشئة، لما لذلك من أولوية في تطوير التعليم الجامعي والتنمية المحلية بمختلف المناطق.