د.ثريا العريض
كثير من الضرر الفردي ضد فئة من يعرفون بـ«القاصرين» من الجنسين جاء من إساءة التطبيق في ممارسات انتهت باستلاب حقوقهم المشروعة والإضرار بهم بدلا من حمايتهم. وفي حالة الإناث الوضع أسوأ. في مفهوم الولاية والقوامة ما يحدث من لبس في المنطلقات والتعريفات يسبب إشكالية في النتائج غير المرغوب فيها قانونيا. القوامة تفرض أن الرجل يقوم بكل احتياجات المرأة ماديا وكثيرون عاجزون اليوم عن تحقيق ذلك. أما ولاية الأمر فموضوع آخر ذو شجون يفترض أن كونها أنثى يعني أنها قاصرة عن اتخاذ القرار الأصلح لها في حياتها الخاصة والعامة ولذلك يجب أن يتولى أحد أقاربها الذكور هذا الدور ويتخذ كل القرارات المصيرية في حياتها منذ ولادتها حتى تموت. في كثير من الحالات هي أكفأ منه وأقدر على اتخاذ القرار الأصح. بل قد تكون أكبر سنا وأنضج من ولي أمرها الرسمي. والأسوأ طبعا أن يجد بعض ضعاف النفوس في الولاية فرصة لخدمة مصالحه وأغراضه الخاصة.. كأن يجبر قاصرات على الزواج، أو يمنعها من التعليم أو يلزمها بتسليم راتبها إليه، أو القبول بمن يراه هو أهلا لمصاهرته. وما يزيد ضرر الالتباس أن فهم بعض الناس للولاية جاء بناء على تفسيرات انتقائية تسلب الأنثى حتى ما منحها الشرع من حقوق مثل اختيار شريك حياتها، وحقها في الميراث وحقها في الملكية الخاصة والتصرف بها. وحقها في الحركة كأي إنسان طبيعي كامل الأهلية العقلية. في مفهوم بعض المتشبثين بالسيطرة على الأنثى لا يرون المرأة تبلغ سن الرشد. حتى بعض الشباب تطبق عليهم معاملة القاصرين بضغط العائلة والمجتمع الأقرب.
تحديد معنى «القاصر» وحكره في سن معينة معترف بها دوليًا وحقوقيًا. وتقنين العلاقات الأسرية ووضع حد للتحكم الفردي، واعتماد مدونة توضح ما لكل فرد ما له وما عليه دون ترك القرار لأهواء الأفراد أسريا أو قضائيا، قد يحل الإشكالية. خاصة وأن ضغوط الظروف الاقتصادية على الأسرة تجعل عمل المرأة وراتبها ضرورة لحصول الأسرة على مستوى حياة كريمة.
ولا شك أن مبادرات مشاريع الإسكان وتنظيم التوظيف وتوطين المهارات تساهم الآن بشكل ملحوظ في إعادة التوازن وحس الاستقرار والرضا الفردي.
وأضيف أننا نعيش زمنا يمثل فيه الأمن الداخلي أهم التحديات. واستقرار المواطن في حياته الخاصة ماديا ومعنويا هو خط الدفاع الأول للأمن الداخلي. وكون النساء نصف المجتمع يعني أن تحقيق الشعور بالأمن والرضا للمرأة ليس فقط مطلبًا حقوقيًّا بل أيضا مطلبًا أمنيًّا.
هي قضية تتعدد فيها روافد التعقيد وتتكثف فيها التحديات أمام صناع القرار.
ونحن نحاول الخروج من ضعف بنية القدرة الاقتصادية لفئة الشباب السعودي في إطار متغيرات ثقافية عالميا، نحاول أيضًا تجنب البقاء مجتمعيًّا في فخ تناقض ضمني غير معلن: يختزل أكثر من 70 % من المواطنين على أساس هش من التصنيف الجنسي والعمري، دون النظر إلى المواصفات الأخرى للفرد. ونجد التعنت الأقوى المقاوم لتمكين القدرات يأتي من الفئة التي أعرافها المجتمعية متحجرة، حيث تعجز ممارساتها حتى الآن أن ترى أن من ضرورات بناء المجتمع العام تفعيل كل القوى القادرة بكل حقوق المواطنة.
الحمد لله أن حركة المجتمع تسيرها الآن رؤية تقدمية ثاقبة وحازمة تتعامل مع كل الروافد والمعطيات وتولي جانب المتطلبات المستقبلية للاقتصاد والأمن ما يستحق من الأهمية لتضمن استدامة الاستقرار والنماء.