د. عيد بن مسعود الجهني
لا يمكن لنا أن نتصور في هذا العصر شديد التغير أن تدافع دولة ما عن مصالحها وشعبها وسيادتها وحدودها وأمنها الوطني دون أن تكون مالكة لناصية (القوة) العسكرية التي أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى الأهم في ميدان العلاقات بين الدول على المستوى الإقليمي والدولي.
وإذا كانت القوة أهم المقومات الأساسية لبناء الدول فهي العمود الفقري لبقائها والحفاظ عليها والدفاع عن مصالحها العليا، ولذا فإن الدول تخصص نسبة كبيرة من إجمالي ناتجها القومي لتطوير جيوشها من حيث مكوناتها القتالية، وأقرب مثل الإمبراطورية الأمريكية التي لا يتجاوز عمرها (241) عامًا أصبحت القوة الأولى في العالم تخصص (4) في المائة من إجمالي ناتجها القومي لدعم قوتها الضاربة رغم أن ديون ذلك البلد تبلغ (20) ترليون دولار.
والمقصود بالقوة.. جميع مكونات قوة الدولة ومنها القوات البرية والجوية، البحرية.. إلخ، والقوة الاقتصادية لها دور هام في معادلة قوة الدولة في زمن السلم وزمن الحرب، وهي تكمل القوة الشاملة للدولة.
وعلى العكس فإن ضعف القوة الاقتصادية بسبب قلة موارد الدولة مثلا يقف عائقا بشكل كبير من توسيع قاعدة القوة العسكرية للدولة، ويقف حاجزا في وجه دعم جيش الدولة بأسلحة حديثة متطورة، كما أن غياب العنصر البشري المؤهل المدرب يترك أثره على جاهزية القوات العسكرية، بل وعدم استيعاب التعامل مع الأسلحة المتطورة التي تسعى الدولة إلى امتلاكها، وهذه العناصر المكونة لقوة الدولة هي الذراع القوي لحماية المصالح الحيوية والأمن الوطني لأي دولة.
من هنا يعتبر خبراء الإستراتيجية العسكرية أن جيش الدولة يجب أن يبلغ القوة المبتغاة، ويجب أيضًا أن لا تسمح الدولة بتدني درجة جاهزيته أبدًا لأن تسلل الضعف إلى كيانه نتيجته الحتمية انهيار أمن الدولة القومي، وهنا تتعرض لأخطار مدلهمة وتهديدات خطيرة قد تعرض وجودها للفناء.
وإذا استطاعت الدولة -أي دولة- بناء قوات مسلحة مجهزة بأسلحة عصرية متطورة فإنها تصبح قادرة على الدفاع عن الدولة وشعبها وسيادتها ونظامها السياسي وحدودها السياسية وأهدافها ومصالحها الحيوية على المستوى الداخلي والخارجي في المنظومة الدولية التي تغيّر وجهها في القرن الواحد والعشرين عنه في القرن المنصرم، بسبب بروز قوى عظمى جديدة خرجت من رحم الحرب الكونية الثانية.
وقد استقر عالم القوة اليوم على سياسية دولية متعارف عليها في علم الإستراتيجية العسكرية ألا وهي ميدان الصناعة الحربية، ولذا اتجهت بعض الدول إلى الانخراط في صناعاتها العسكرية وجندت علماءها لتطوير هذه الصناعة خاصة بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بعد أن سجل تاريخ القنبلة النووية تاريخ انتهائها بعد تدمير بعض الجزر اليابانية.
وإذا كانت بعض الدول لا تملك قدرة التصنيع العسكري أو أنها ضعيفة في جانب من جوانبه، فإنها تضع خططها وإستراتيجياتها لدعم جيوشها القائمة على استيراد ما تحتاجه من الأسلحة والمعدات الحديثة لخلق توازن في قوتها العسكرية.
هنا نجد تفاوتًا بين الدول في امتلاك (القوة) فالدولة صاحبة القوة الاقتصادية لها القدح المعلى في استيراد ما تحتاجه من معدات عسكرية حتى وإن كانت باهظة الثمن، بل إنها تملك قدرة تنويع مصادر تسليحها من دول عدة خاصة في هذا الزمن الذي تعددت فيه الدول الصانعة للأسلحة وفي مقدمتها الدول الخمس صاحبة حق الفيتو (للأسف) في مجلس الأمن.
وإذا عرفنا بعض مبادئ القوة.. عرفنا تاريخها في القرن المنصرم وهذا القرن.. فمنذ أن غير تشرشل مسيرة سفن بلاده الحربية من اعتمادها على الفحم إلى النفط وحتى اليوم نجد أن (للقوة) الأسلوب الأوحد في النصر أو الهزيمة.
فالقوة هي التي حسمت الحرب العالمية الأولى.
والقوة هي التي كتبت تاريخ نهاية الحرب الكونية الثانية.
والقوة هي التي تسير النظام العالمي الجديد.
وهي القوة بطغيانها التي كانت عنوانا بارزا في الحروب العديدة التي شهدها العالم خلال الحرب الباردة وبعد غروب شمس الاتحاد السوفييتي السابق.
وهي القوة الاقتصادية أحد أذرع القوة العسكرية التي تطوق عنق إيران.. وتعنت قادتها من عدم التفاوض إلى رجائه.
وإذا استمر ضغط القوة الاقتصادية على طهران.. فإن ذلك البلد عندما تتدنى موارده النفطية وتزيد حدة ضعف عملته وتزداد حدة التضخم وتتفاقم البطالة ويزداد عدد البطون الجائعة فان مصير الدولة هو الإفلاس.. وهذا بسبب ضعف عنصر واحد من عناصر القوة.. إنها القوة الاقتصادية.
ونحن نتحدث عن سحر القوة لا بد من البيان أن واحدة من أهم مضاعفة قدرة القوة على الدفاع عن الدولة بل ونقل المعركة إلى أرض الدولة المعادية هو بناء التحالفات مع دولة أو دول فالتحالف العسكرية.. يخلق قوة مضافة للدولة أو الدول وفي هذا دعم لأسباب الدولة العسكرية واستيعاب المستجدات التكنولوجية في العلوم العسكرية.
وفي هذا دعم لقوة جيش الدولة وزيادة ديناميكيته واستيعابه لكل حديث في العلوم العسكرية كالإنذار المبكر والدفاع الصاروخي المتطور والرادارات والقذائف الحديثة.
وإذا طبقنا ذلك على تحالف دعم الشرعية في اليمن لوجدنا ذلك مثلا بيّنا لأهمية عقد الأحلاف (فاليد الواحدة لا تصفق) كما يقولون.
فالحلف أو الأحلاف هي التي تفوز في المعارك والحرب العالمية الأولى والثانية لم تكسبها دولة واحدة وإنما الحلف الأقوى هو من انتصر رغم أن الحرب الأولى كان ضحيتها عشرة ملايين والثانية أهلكت مابين 50 و 60 مليونًا بفاشيتها ونازيتها.
واليوم دول الخليج العربي تتعاون مع الولايات المتحدة في ميدان العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بسبب ملفها النووي الذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية.
وهذا التعاون الخليجي - الأمريكي جاء بسبب تدخل طهران في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية ومد أذرعها في كل من العراق وسوريا، لبنان، اليمن وتتدخل بشكل سافر ضد القانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة في مملكة البحرين والكويت.
وبذا يصبح هذا التعاون في منطقة يمكن أن نطلق عليها أنها ملتهبة بسبب العناد الإيراني وتهديد الجيران واحتلال جزر إماراتية ثلاث.. وذهبت طهران إلى أبعد من ذلك الاعتداء على ناقلات نفط سعودية وإماراتية وغيرها.. احتجاز ناقلة نفط بريطانية وليبيرية.. إلخ.
اليوم الاتحاد قوة وضرورة لكبح جماح القوة الإيرانية.. وصلف القيادات في طهران الذين وضعوا في أذن (عجين) والأخرى (طين) لكل المبادرات الدبلوماسية والوساطات (الخيّرة) ولم يبق سوى استعمال عناصر القوة.. التي تطبق أحد عناصرها (القوة) الاقتصادية.
وعلى كل فإن على دول المجلس الأخذ في الحسبان دعم خيار القوة، فمنطقتهم الغنية بأغلى وأهم سلعة في العصر الحديث (النفط)، مضطربة تعج بالصراعات وعلى حدودها أو قريبة منها دول غير مستقرة معرضة لنكسات في أمنها واستقرارها ومستقبلها السياسي كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، ناهيك عن التهديد الإيراني المستمر.
وبذا يصبح امتلاك القوة ضرورة ملحة وليس ترفا.
وهذه الدول الخليجية تملك القوة الاقتصادية.. وبذا فهي قادرة على (شراء) القوة.
في هذا العالم الذي لا يصغي إلا للقوة وليس هناك سياسة وعلاقات دولية لا تحتوي على القوة.
والدول ليس بمقدرها تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع مادي إلا (بالقوة).
وهذه هي عبر ودروس تاريخ القوة في الحضارات القديمة.. وهذا الزمن.. زمن القوة.
والله ولي التوفيق،