المفاهيم المستخدمة في المعرفة يُعبّر عنها بكلمات، والكلمة لها مساران: الأول مطلق لا يخضع لتعريف؛ والثاني نسبي لا مفر من تعريفه.
المطلق يستخدم للدلالة على العموميات، فالجملة القائلة «الإنسان كائن اجتماعي» هي جملة صحيحة بالرغم من أنه لا يوجد في الواقع العملي شخصاً يمكن أن نطلق عليه كلمة «الإنسان». إنما يوجد إنسان له أسم وتاريخ ميلاد ومواصفات اجتماعية خاصة به كشخص، أي يوجد إنسان نسبي وليس مطلقاً.
غالباً ما يستخدم في الإعلام والتعليم؛ أي في مجالات المعرفة كافة؛ «خليط» بين المفهوم النسبي والمطلق. ومثل هذا الخليط يؤدي إلى تشويش الذهن، بل تعطيله في غالب الأحيان. فكما قد قيل سابقاً ويقال حالياً وبإلحاح: «الثقافة العربية ليست ديمقراطية» بدون أن يفسر القائل؛ ما هي الثقافة؟ أو ما هي الديمقراطية؟ أو من هم العرب بمفهومه؟. هل الشعوب التي طالبت بالديمقراطية؛ ودفعت دماً مقابل ذلك؛ كالشعب التونسي والمصري والجزائري والسوداني سابقاً وحالياً؛ هي شعوب ليست عربية؟. وإذا تجاوزنا تعريف الديمقراطية؛ فهل المطالبة بعدم الرضوخ للاستعباد الاستعماري؛ ومحاربة الفساد واللصوصية وبناء الدولة الحديثة؛ ذات المؤسسات؛ وحرية ممارسة العمل السياسي؛ والتعددية؛ هي «ثقافة» الغرب فقط؟ أم هي ضرورة تاريخية بعد فقدان الهيمنة الاستعمارية لجزء من أدواتها؟
المفاهيم النسبية والمطلقة هي نتاج تطور البشرية لآلاف السنين!. وبالتالي لا يجوز لأي فرد مهما كانت «قدراته المعرفية»، أن يستخدمها بمفهومه هو كفرد وحسب. فـ»الثقافة»؛ مثلاً؛ بالتعريف الفلسفي: - هي القول أو الفعل أو كليهما المؤثر اجتماعياً. وبالتالي «المثقف»:- هو الذي يستخدم «قدراته المعرفية» للتأثير في المجتمع. وهذا يعني أيضاً؛ أن أي فرد؛ مهما كانت قدراته المعرفية؛ ولا يستخدمها للتأثير في المجتمع؛ هو بالضرورة منعزل وليس مثقفاً!. ولكن التأثير في المجتمع له أوجه مختلفة. فيوجد «الحداثي» الذي ينشد تطور مجتمعه، ويوجد «التراثوي» أو التكفيري الذي يجر المجتمع إلى الوراء خدمةً للمستعمر، وكليهما له تأثير اجتماعي، كيف يمكن إذن توصيف مثل هذا التأثير؟.
الذي يدفع بالمجتمع نحو الأمام هو المثقف الإيجابي، والذي يستخدم قدراته المعرفية لجر المجتمع للوراء؛ هو مثقف أيضاً؛ ولكنه سلبي. وعلى هذا الأساس فمقياس الثقافة؛ ليس فردياً؛ ومن المفترض أنه يستند إلى «منطق معرفي»، وليس مجرد تأملات مزاجية.
** **
- عادل العلي