د. صالح بن سعد اللحيدان
يسود الاعتقاد غالباً جملة من العلماء والباحثين.. يسود الاعتقاد والجزم ما لا يحسن أن يكون كذلك, وهذا معروف من خلال السبر والتتبع من خلال المطولات وكتب الفروع؛ وذلك يجعل بعض الأصول موضع شك كبير إذا أردنا الاستفادة من العلماء.. وهذا أمر يسن بيانه على واضحة من «طرسباق» متين.
من هذا الباب، وكعادتي في هذا المعجم أن أبين ماحقه البيان مما هو سبب في حصول الخطأ،
وعلى هذا الأساس أوضح ما يأتي:
-1 الخلط بين العالم المحدث والفقيه.
-2 الخلط بين العالم اللغوي والنحوي.
-3 ما يتم فيه الخلط بين المؤرخ والإخباري.
-4 ما يتم فيه الخلط بين عالم الأصول والباحث الشرعي.
-5 الخلط عند الكثيرين بين العالم المفسر والشارح.
-6 ما يتم الخلط فيه عند الكتّاب والأدباء بين الناقد ودارس الأعمال الأدبية أو الثقافية.
-7 ما يتم الخلط فيه بين المصنف والمؤلف.
-8 ما يكون فيه الخلط بين عالم الجرح والتعديل وعالم المتون.
-9 ما يكون فيه الخلط بين المحقق والمهمش.
وهذا لعله سبب من أسباب عدم ظهور المجد ممن يتلقى العلم حال الطفولة الباكرة.
ذلك أن أخذ (علم الحديث) من (الفقيه) أو أخذ وتلقي العلم من (اللغوي) على يد (نحوي) هذا سبب جيد لضياع أصول وضياع فروع العلم المراد إدراكه والتخصص فيه على صورة يصل من خلالها العالم تدريجياً إلى مصاعد النبوغ والدراية والرواية.
فمثلاً مثلاً لا يمكن (للفقيه) إلا في حال شاذة أن يميز وهو يحاضر أو يشرح أو يقرر حكماً ما لا يمكنه أن يميز بين هذه الحالات المهمة.
حال الناسخ من المنسوخ / من الأدلة
حال المطلق من المقيد / من الأدلة
حال الخاص من العام / من الأدلة
أو حال العام من الخاص / من الأدلة
أو حال المتقدم من المتأخر / من الأدلة
ومثله عالم التوحيد وعالم التفسير.
وعالما التوحيد والتفسير لا يمكنهما ذلك إلا في حال شذوذ.
من أجل ذلك رحل الإمام مسلم بن الحجاج ليلقى البخاري فيأخذ عنه ذلك.
كما رحل مسلم إلى ابن واردة، ورحل الإمام أحمد إلى الشافعي، ورحل الشافعي إلى الإمام مالك.
كما رحل كثيرون إلى الإمام أبي حنيفة.
فالعلم والفتوى والقضاء وتقرير الأحكام العلمية الشرعية كل ذلك يحتاج إلى مثل ما ذكرت وإلا أصبح الناسُ كلهم علماء، ويفتون ويقررون ويقضون.
كما أن النحوي لو طلب العلم على (عالم اللغة) في أساسيات علم النحو لتاه، واختلطت عليه معاني المفردات وحقائق ودلائل الإعراب؛ ولهذا تتلمذ الإمام (سيبويه) على الإمام (حماد بن سلمة) الإمام المحدث. وقس على هذا.. وهو فيض من غيض.
ويستطيع الأصولي (عالم أصول الفقه)، والفقيه / والمفسر / واللغوي / والنحوي / وعالم السياسة الاقتصادية، والإدارة العليا، وعالم الاجتماع أن يطالع فقط (عمدة القاري) للإمام العيني؛ فسوف يجد ما يجعله يدرك أن (العلم) بحر عميق، وليس هو بالحفظ أو السمعة أو كثرة التصنيف.
وبالمرور على ما دونه (الأمري) أو (الشاطبي) أو (اللالكائي) أو (أصول السرخسي).
هُناك مع قوة القراءة / وسق العقل / وجليل الوقت / فسوف يجد ناهضات الضوابط من العلم في حال مديم على وتيرة المجتهدين خلال تصرم السنين.
والعلم اليوم لم أرَ مثل هذا العصر أن يضبط العالم / والمثقف / والأديب.. يضبط كل أحد نفسه بقوة التدبر وحيثيات العلم الصحيح.
وطالع إن شئت فقط ترجمة مثل هؤلاء:
-1 ابن وارة
-2 إسحاق بن راهوية
-3 يحيى من معين
-4 السرخسي
-5 حميد الزهري
-6 إمام الحرمين
-7 أبو زرعة الرازي (عبيدالله بن عبدالكريم)
-8 أبو حاتم (محمد الحنظلي)
-9 قتيبة بن سعيد بن جميل
-10 منصور بن المعتمر
جرب هذا من خلال التراجم المطولة لكل واحد منهم، وانظر ثم أعد النظر؛ فلعلك تجد ما لم تتحسر عليه أبد الآبدين.
ولهذا فالمسؤولية مشتركة أن يكون (العالم) على درجة كبيرة من الفهم السديد، وضبط أصول وقواعد العلم بعيداً عن العموميات والجرأة وضيق الأفق والعجلة في الإجابات أو اختصار ما موجبه التفصيل مع صحة الدليل وقوة التعليل برزانة وحسن خلق وسعة بال.