د. عبدالحق عزوزي
أعلن قصر باكينغهام الأربعاء الماضي تنصيب رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون رسميًا رئيسًا لحكومة بريطانيا عقب زيارة رسمية للملكة إليزابيث الثانية وفقًا للقوانين الجاري بها العمل في بريطانيا؛ ويصبح بذلك جونسون رئيس الوزراء الـ55 لبريطانيا، وهو رئيس الوزراء الرابع عشر في عهد الملكة إليزابيث الثانية.
وفي أول خطاب له عقب تنصيبه، صرح جونسون أنه سيخرج ببلاده من الاتحاد الأوروبي في تاريخ أقصاه 31 أكتوبر/ تشرين الأول، كما أوضح أنه يناقش اتفاقًا جديدًا للبريكسيت مع بروكسل. وقال جونسون (55 عامًا) حرفيًا «سنبرم اتفاقًا جديدًا، يكون اتفاقًا أفضل يزيد من فرص بريكسيت». وأضاف «لدي ثقة تامة أننا سنتمكن من ذلك خلال 99 يومًا (...) لقد انتظر الشعب البريطاني ما فيه الكفاية».
ونحن نتذكر ما كتبه بوريس جونسون لما استقال من وزارة الخارجية البريطانية حيث كتب في صحيفة «ديلي تليغراف»، منتقدًا الطريقة التي تعاملت بها رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي مع المفاوضات بشأن مستقبل الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا بعد الانسحاب وهي الحدود البرية الوحيدة بين التكتل والمملكة المتحدة بعد الخروج. ثم كتب قائلاً: «إذا استمرت مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي في هذا المسار فأخشى أنها ستنتهي بكارثة سياسية استثنائية... والأمر برمته يسيء للدستور... إذا تم تبني مقترحات تشيكرز فسيعني ذلك أن قادتنا وللمرة الأولى منذ عام 1066 سيذعنون لنظام أجنبي» في إشارة لغزو وقع في القرن الحادي عشر وفرض الحكم النورمندي على إنجلترا.
وهذا السبب الذي ذكره جونسون يفهمه المتضلعون في تاريخ المملكة المتحدة السياسي والديمقراطي، وهو أن القوميين البريطانيين وغيرهم لا يرون بعين الرضا فرض سلطات من دول ومؤسسات حديثة العهد بحديقة الدول الليبرالية والديمقراطية عليهم، ليجدوا أنفسهم على نفس القصعة الأوروبية، حيث سيادة المحاكم الأوروبية وسلطة المؤسسات الاتحادية بما فيها البرلمان الأوروبي على أقدم برلمان ديمقراطي في العالم...
وهناك أيضًا سبب ما فتئ المطالبون بالخروج من الاتحاد ينادون به وهو أن السفينة الاقتصادية الأوروبية تأتيها رياح عاصفة وتأتيها الأمواج العاتية من كل مكان، والحكيم هو من يقفز في الوقت المناسب، وإلا دفع هو أيضًا الثمن، والمثال اليوناني مازال عالقًا في الأذهان والأزمات المالية في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا والركود الاقتصادي في العديد من الدول منذر بسنوات عجاف مقابل اقتصاد بريطاني يشهد نموًا متزايدًا.
ولكن مفاوضات بريكست العسيرة لم تكن خيرًا وسلامًا على بريطانيا رغم قدرتها على المفاوضات وقوة مؤسساتها، إلى درجة أن بريطانيا واجهت في عهد ماي خيارين: إما الخروج باتفاق سيء أو الخروج دون اتفاق، وهما خياران «خطيران جدًا». ولهذا السبب كان قد دعت بدون جدوى عدة شخصيات بريطانية من بينها رئيس بلدية لندن صادق خان إلى إجراء استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ليدعم بذلك فكرة أُطلق عليها «تصويت الشعب». وكان قد كتب خان في صحيفة «أوبزيرفر» مقالة منتقدًا تعامل الحكومة مع مفاوضات الخروج من الاتحاد؛ وقال: إن التهديد الذي يواجه مستويات المعيشة والاقتصاد والوظائف كبير جدًا بدرجة تستدعي أن يكون للمواطنين صوت بهذا الشأن. وهذا الكلام أثار مباشرة غيظ رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا حيث قالت إن تركيزها منصب على خطتها بشأن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وإنها تشعر «بالانزعاج» من التشكيك المستمر في موقفها، وذلك ردًا على اعتبار خان أن المفاوضات أصبحت «مشوبة بالارتباك والأزمة «وأنها تقود البلاد نحو مسار مدمر؛ وكل هذا ينذر بأيام عجاف وأشهر شداد على حكومة ماي وعلى مستقبل العلاقات التجارية والسياسية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو ما وقع بالفعل.
ولا جرم أن خروج بريطانيا دون اتفاق سيعد طلاقًا مؤلمًا لخامس أكبر اقتصاد في العالم عن الاتحاد وهذا من شأنه تقويض النمو العالمي والضغط بشدة على أسواق المال وإضعاف وضع لندن بوصفها المركز المالي الدولي الأبرز وداخليًا ستكون هناك تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد البريطاني تتعدى التخوفات التي كانت تطلقها بعض الأحزاب لتبرير عملية البريكست خاصة في مجال الهجرة والتدفق غير المسبوق في تاريخ أوروبا للمهاجرين القادمين من سوريا ودول الصراعات والحروب، والمهاجرين الذين يأتون من بعض دول الاتحاد الأوروبي كدول البلطيق ورومانيا وبولندا.