د. محمد بن إبراهيم الملحم
أشرت في مقالتي السابقة إلى لائحة الوظائف التعليمية الجديدة وطموحات المراقبين أن تقوم بدور حيوي في إحداث نقلة نوعية للتعليم في المملكة، ومع أن العملية التعليمية لا يمكن أن تنهض من خلال عامل واحد أو مجموعة محدودة من العوامل، بل لا بد لها من حلول شمولية، إلا أن اللائحة لها عمقها وتأثيرها المهم فيما لو وظّفت بطريقة فعَّالة ويستشرف لها أن تحقق نوعاً من التغيير التحويلي transformative change وذلك مرهون بتوافر الكثير من عوامل النجاح للتطبيق والتوظيف الراشد لها، ولذا يبدر عدد من التساؤلات حول هذا الموضوع بعضها طرحه المعلمون هنا وهناك وبعضها يمكن أن يكون أقل انتشاراً بيد أن له أهميته، وعن هذه التساؤلات نتحدث اليوم.
لاحظ الجميع أن موجة من القلق سرت في أوساط المعلمين نتيجة لهذه اللائحة، وهو أمر متوقّع ولا يستغرب خاصة نحو لائحة تحويلية كهذه، ولكنما الشكوك تدور حول أزمة ثقة لدى المعلمين حول كيف سيدار أمر تنفيذ اللائحة وإلى أي مدى ستتجانس رؤى جهتين كل منهما تشرف على جوانب مهمة ومحورية هما وزارة التعليم وهيئة التقويم، فالهيئة تتولى كل ما يتعلّق برخصة المعلم وقواعدها المنظمة ومواعيد تجديدها (كل سنتين أو خمس أو عشر سنوات!) والوزارة تتولى الفقرات المتعلّقة بتقويم الأداء الوظيفي وتقييم «النقاط المخصصة للتطوير المهني ونقاط تقويم الممارسات الإبداعية وقياس أثر التدريس على تعلّم الطلاب»، وهي كلها مجالات خصبة للكثير من التوقعات والتوجسات لتظهر أسئلة مثل: ما المقصود بالتطوير المهني؟ وما هي مجالاته ومحدداته؟ وكيف يُقاس؟ وما هي معايير تحقق النقاط العالية فيه؟ وكذلك الممارسات الإبداعية: ما هي وفي أي مجال تكون: في التدريس أو الأنشطة أو القيم المضافة أو المنهج أو التقييم، ومن سيتولى رصدها وتقييمها، وهل سيكون هناك إجماع بين المقيمين (سواء المدير أو المشرف التربوي أو غيرهم) والمعلمين على ما هو إبداعي وما هو نمطي! ثم تدور أسئلة متنوعة حول قياس أثر التدريس على تعلّم الطلاب، كيف يكون قياسه ومن يتولى ذلك؟ هل تعكسه نتائج الطلاب، وأي نتائج: التي يتوصل إليها المعلم نفسه أو جهات أخرى، ومن هي هذه الجهات: المدرسة، إدارة التعليم، الوزارة، أو ربما جهات خارجية مثل هيئة التقويم!
لقد كانت بعض هذه القياسات تجرى سابقاً ولكنها لم تكن ذات أثر على مصير المعلم المهني، لكنها اليوم تأخذ بعداً جديداً مما يجعل الاهتمام بها أكبر بكثير من قبل، لا من جهة وعيها والاستزادة المعرفية والمهارية فيما يتعلّق بها فقط ولكن أيضاً فيما يتعلّق بقياسها ورصدها وتعريفها وتحديدها بصورة واضحة المعالم تخرجها من أي صورة يمكن أن تضع فيها نسبة من الانطباعية إلى صور موضوعية حادة الوضوح والتعريف لتضمن الجهة المسؤولة تقليل الخسائر ومنع مشكلات اللا تفاهم التي يمكن أن تشوّه معالم بيئة المؤسسة التعليمية.
وفي الجانب الآخر فإن هيئة التقويم تواجه تساؤلات قلقة جداً: هل فترة تجديد رخصة المعلم ستكون قصيرة أم أن الهيئة في بداية التطبيق ستراعي مشكلات البدء وتجعلها طويلة نسبياً مثلاً كل عشر سنوات مثلاً بدلاً من كل خمس أو سبع سنوات! وهل ستكون اختبارات رخصة المعلم على غرار اختبارات الكفاية للمعلمين؟ أم هي شيء جديد؟ وإن كانت هي نفسها فهل ستتمكّن الهيئة من استقبال الأعداد الضخمة المتقدِّمة للاختبارات خاصة في بداية التطبيق وكيف سيدار الأمر بكفاءة وفعالية تضمن العدالة؟ ثم كيف ستقنن الهيئة تدرج هذه الاختبارات في المستوى لتقابل تدرج الرتب، وهل سيكون الأمر منطقياً واقعياً بحسب قدرات الميدان وما يملكه من أدوات ومعارف متوفرة له أم ستتضمن تحدياً أكبر يحتاجون معه إلى الكثير من الجهد والمهارات الخاصة ليتحقق لرتب «متقدم» و»خبير» أعداد نخبوية تلتقي ودرجات هذه التصنيفات العالية!
الأسئلة كثيرة جداً ومهمة وينبغي على الجهات المسؤولة المسارعة في إجابتها، على الأقل لتلك التي لا تتطلب الإعداد ويصنعها قرار جريء أو تلك التي «طبخت» مع اللائحة فلعلها تعلن قريباً ليطمئن الميدان على بعض الجوانب ويقل عدد الأسئلة التي بدون إجابات لأنه وضع غير صحي.