د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في الإجازات يطيبُ لبعضنا التعرّفُ على آخر الإصدارات؛ نقتنيها لعناوينها أو أسماء مؤلفيها أو موضوعاتها، وربما «خبط عشواء»؛ ففي ترهلات الوقت ما يدفعنا إلى استثمار منحنياته فيما يُشغل ويُشعل ويضيء كما يضيف، ونمضي هانئين حتى نكتشف أن النومَ والاسترخاء كانا أجدى لنا من إزجاء وقتٍ مع طرحٍ مفتعلٍ أو منفعلٍ أو فارغٍ أو ناءٍ عن المنهجية والموضوعية، وهنا يجيء الاستفهام: أين الخلل؟
** ليس ملائمًا أن نعتمر أرديةً لا تلائم مقاساتنا، أو نرتاد مواقعَ لم تألفها خوارطُنا، أو نتمثل مواقفَ لا ينبئُ عنها سلوكُنا، وإلا أصبحنا متماثلين مع فِرق التهريج وممثلي المسارح الذين يؤدون اليوم شخصية العظيم «عمر» رضي الله عنه وغدًا دور المجرم «أبي لؤلؤة»، وبين الدورين مسافة ضوئية لا تأذنُ بمجرد مقارنةٍ أو مقاربة، وهو مشابهٌ لما يبدو عليه المثقفُ العربيُّ المنفصلُ عن أفكاره حين يتناقضُ فيما يُرى عمَّا يُقرأ، وما يُعلم عمَّا يُنقل، وما يبدع عمَّا يدَّعي، وحينها ستبدو السجادةُ الفكريةُ مرقعةً بألوان الحيف لا الطيف، وبصُوى التنازل لا كُوى المناهل.
** هل نحن هنا نُحمِّل المثقف فوق ما يحتمل؟ أو ليس إنسانًا يعنيه المغنم ويخشى المغرم؟ أو لا تتوق نفسُه ككُثرٍ غيرِه إلى مكانٍ يُقدِّمه عند قومه وقد يُدلُّ به على رصفائه؟ أيظل البشتُ غريبًا فوق متنه؟ وأرصدته متماهيةً مع «حرفة الأدب» التي تباهَى بها وسلفُه ليبرروا رهافة أحوالهم؟ أو ليس «هو» كـ «هم» أو كبعضِهم ممن ينأون عن الواجهة فتدين لهم الوجاهة؟ وماذا عن مسؤولية الكلمة التي أوصلته الذرى؛ أفيتنازلُ عنها كي يصيب دنيًا أو يكسب شعبوية؟ أو ليس «في كل وادٍ بنو سعد» و «أينما أوجهْ ألقَ سعدًا» كما يقول المثل العتيد بصيغتيه، أوَ لا تعني المؤلفين الأرقامُ بدءًا ولو جاء الإِفهامُ والأفهام في مرتبةٍ متأخرة؟
**تزداد الأسئلة، وتتوارى الإجابات، وتختلط الرؤى، وتتماهى المسافات، ويسهُل التنظير والتبرير، وحين نشتري كتابًا لأن فلانًا كاتبُه أو مقدمُه، وعندما نطالع برنامجًا لأن عِلانًا ضيفُه، وإذا تابعنا ثالثًا ورابعًا وعاشرًا، حيث هم نجوم العالم الرقمي ثم اصطدمنا بالمقاسات الأكبر من أحجامهم فإننا مطالبون بإعادة قراءة مدخلاتنا ومخرجاتنا الثقافية بأبطالها وأطلالها ممن لا يستحقون الوقوف أمامهم أو التوقف عندها؛ وفي مرحلة التحولات الكبرى نحتاج إلى من تتوافر لديه إمكاناتُ الوعي والصدق والاستشراف، وما أقلَّهم!
** كذا أتاحت لصاحبكم أيامُه الخلوُ من الالتزامات المؤطَّرة أن يقف على كتبٍ وكُتَّابٍ وحكاياتٍ تقتلها الأدلجة فإن لم فالمصلحة فإن لم فالمسايرة فإن لم فالمداورة، وحسبنا منها أنها شاهدة على بؤس الواقع الثقافي العربيِّ إلا قليلاً، وفي القريب بحول الله تكملة وأمثلة.
** المغانم مغارمُ أحياناً.