د. فوزية البكر
يمر مجتمعنا السعودي اليوم بتغيرات مادية وقيمية كبيرة خاصة ما كان له علاقة بالمرأة من حيث موقعها الاجتماعي والرسمي ومن حيث مدى ونوعية وجودها في الفضاء العام، سواء في أماكن العمل أو الترفيه أو التدريب أو الدراسة الخ. وكل هذا يفرض شروط تفاوض جديدة بين الجنسين عند التعامل تختلف كثيرًا عما كانت عليه من قبل والتي كانت مبنية على فكرة إقصاء المرأة من الفضاء العام قدر المستطاع وتقليل احتكاكها مع العالم الخارجي وتحديدًا الرجال، فماذا ستفعل المرأة الجديدة في ظل نمط التفاعلات الاجتماعية والمهنية الجديدة التي طرأت وأتاحت للمرأة فرصًا واسعة للعمل والتعليم والتصرف، لكنها أيضًا فرضت شروطًا جديدة للتعامل بين الجنسين قد لا تكون واضحة للجميع بدرجة كافية، فكيف تتعامل المرأة مع الرجل وهو يعمل إلى جانبها في المكتب؟ وكيف يتعامل الشاب مع الفتاة التي كانت إلى قبل عدة سنوات مثل المحرمات: لا يحق له أن يراها فكيف بالتحدث معها؟
لا شك أن هناك مسؤولية اجتماعية وأخلاقية وقبلها دينية بالطبع تقع على عاتق كل من الشاب والشابة في هذا العصر المتغير ولا شك أن كلاهما يطرح الأسئلة ذاتها: ما حدود التعامل وما هو المقبول وغير المقبول وماذا أفعل؟ وأقول إذا لم يوجد نموذج من قبل يمكن الاسترشاد به فما العمل؟
بالطبع هناك جوانب مادية ومعنوية للتفاعل بين الرجال والنساء ويرى عديد من علماء الاجتماع أن العلاقة بطبيعتها معقدة بين الرجل والمرأة في المجتمعات العربية وحتى تلك التي لم تكن المرأة فيها معزولة في أماكن تعليم وعمل خاصة ما زالت العلاقة بين الجنسين تتصف بالقلق وتتفاوت بين القبول والرفض مما يفرض علينا هنا في مجتمعنا السعودي المحافظ والشاب أن نتفكر مليًا في إعطاء هذا الجانب الكثير من المراجعة والتأمل والتدريب لإعطاء الشباب من الجنسين أدوات عملية تساعدهم في تحديد الأشكال المختلفة للتفاعلات الجديدة بينهم.
وفي رأيي أن أهم تلك الأدوات هي العقلانية وعدم الاندفاع لا في الشكل ولا في القول، إذ أرى أحيانًا وفي بعض أماكن العمل صورًا غير مقبولة لبعض الفتيات اللاتي يبالغن في وضع أدوات الزينة والمكياج عدا عمليات التجميل الواضحة المعالم على الوجه ويضاف لذلك كل الملحقات التحسينية مثل الرموش والأظافر وخصل الشعر الاصطناعية. أنا لا أقول إن هذه الأمور غير مقبولة فكل امرأة تحدد ما تعتقد أنها تحتاجه منها لكن ما أقوله هنا هو المبالغة التي تظهرها بعض الفتيات في هذا الشأن وخاصة في الأماكن العامة أو أماكن العمل المختلطة التي يفترض فيها المهنية والصرامة والعمل الجاد خاصة ونحن في فترة حاسمة وحساسة وجديدة من دخول المرأة إلى الأماكن المختلطة وأي سلوك غير مهني تقوم به إحداهن سينعكس بالضرورة على الباقيات حتى لو لم يكن لهن أي ذنب وستكون هناك تعميمات ظالمة لا تحتاجها المرأة في مشوارها الجديد.
والأمر نفسه ينطبق على السلوك وطريقة الحديث التي تحدد للمستمع درجة جدية الموقف، فما لا نقبل أن يعرف عنه الآخرون مثل الأب أو الأم أو الأخ أو الزوج أو حتى مدير العمل هو ما يجب أن نحاول الابتعاد عنه سواء تعلق الأمر بطريقة الحديث أو التحية أو الأحاديث الجانبية أو حديث العمل وهذا الأمر ينطبق بالطبع على الجنسين من حيث ضرورة مراقبتهما لما هو مقبول اجتماعيًا وثقافيًا تفاديًا لأي سوء فهم أو تفسير لكن في الحقيقة لتتذكر النساء أن المجتمع سيغفر للشاب وقد ينسى ما فعل لكنه لن يكون رحيمًا مع المرأة أبدًا. المرأة أيضًا بطبيعتها التي خلقها الله قد تتميز برقة في الصوت أو الطباع تختلف عن الذكر مما قد (يطمع) فيها من لا يخاف الله وهو الأمر الذي متى تنبهت الفتاة لخطورته فهي قادرة على السيطرة عليه.
وجود المرأة الظاهري الآن ليس سهلاً وسيحتاج إلى تراكمات قيمية واجتماعية وسلوكية لجعله مقبولاً وطبيعيًا وقد يستغرق الأمر أجيالاً لكن ما أحب أن أؤكده هنا هو التأكيد على المسؤولية الوطنية للشاب والفتاة اللذين يحملان على أكتافهما عبء تأكيد النموذج السعودي المعتدل في المظهر وفي طريقة الحديث والتعامل، علما أن النضج في القيم وفي التعاملات العميقة الدلالة بين الجنسين لن يحصل بين ليلة وضحاها وسيكون هناك بالضرورة ضحايا وتجارب مؤلمة.