د. خيرية السقاف
الوقت يركض، أم الإنسان يفعل؟!،
أو تراها الخفيَّات كالمس يتخبط به الرغو، فتكع في دوارها المخبوءات ما حملت؟!..
ما حولها تيه، وهي التي لا تقو الشتات، تهرب منه لجوف عينيها!!..
وهي ترشف قهوتها الصباحية أغمضتهما، عادت لتلك الفجريات التي تنهض توقظ فيها عصافيرها للمدرسة، عند باب الدار تلاحقهم بشريحة الخبز المحلى بالعسل، وبكوب الحليب الممزوج بالشاي..
وتعود أدراجها سريعة ترتدي ملابسها لتدلف خارجة لعملها..
تضغط بشدة على جفنيها كأنما تحجب عدستي عينيها عن الخروج لفضاءات شاسعة تتماوج، في عينيها المغمضتين بقوة، يجلسون إلى التلفاز، يستغرقون مع «هايدي»، يتفاعلون مع «عدنان ولينا»، يحزنون مع «سالي»، يندهشون مع «الأربعين حرامي»، يجوبون الأحراش، والمرتفعات، والمروج الخضراء مع «الليث الأبيض»، يسافرون مع «جزيرة الكنز»، وتارة يتبادلون الأدوار في تمثل بطولات «الجودو»، و»الكاراتيه» المبهرة بعد عودتهم من التدريب، ويتقمصون أحلامهم التي جذبتهم لقصص منطوقة، تعد معهم حصيلتهم من أشرطة الفيديو لمنتخباتهم من «المصارعة الحرة»، والملاكمة» المشوقة، و،، و.. تستعيد بكل حواسها أصوات قهقهاتهم، وأصداء نقاشهم، ولقطات مناكفاتهم..
تنفرط داخل جفنيها المغمضتين بشدة حكاياتهم، سكناتهم، قصصهم، شغبهم، ومسراتهم، تفرط في الإغماض لا تريد العودة من هناك..
كبروا؛ اتسعت اللوحة، اختفت الأشرطة، تغيرت الأجهزة، غابت البرامج، اضمحلت الأغنيات، اختفت «سالي»، رحل «عدنان»، وتاهت «لينا»، بادت «جزيرة الكنز»، وصغرت هي !!..
بينما كبروا هم، طالت سيقانهم، اتسعت خطواتهم، نضجت ملامحهم..
بهم يمتد الزمن، وبها يقصر بها، لهم تكبر الأماني، ولها تتقلص..
تختفي معالم ما بين جفنيها في غيابت ليل،
بينما تتبدى إشراقات ما بين أيديهم في استشرافات ندية..
الوقت يركض بها، أو بهم؟!..
بعدُ لم تفتح جفنيها، لا تزال تحتويهم عصافيرها الأثيرة تحلق بأفراحها!!..