عبدالوهاب الفايز
مصطلح (الأشخاص ذوو الإعاقة) الذي صدر توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - باعتماده في المكاتبات الرسمية، وفي وسائل الإعلام، (مرّ سريعًا) دون الوقوف عند دلالاته وأهميته لشريحة مهمة في المجتمع السعودي، لها حقها الإنساني والوطني الذي يكفل لها الرعاية والعناية والدعم.
توحيد استخدام المصطلح له أهداف عديدة، منها التشديد على أهمية وضرورة توجيه الاهتمام الخاص بـ(شريحة محددة) بعينها لأجل الوصول إلى حقوقها واحتياجاتها؛ وهو ما يساعد إيجابيًّا في تغيير الرؤى والأفكار والتصورات عن مفهوم الإعاقة. هذا المفهوم، ولسنوات طويلة، عانى من عدم استقرار واختلالات في الصورة الذهنية الاجتماعية، أدت إلى تشتت استخدام المصطلح؛ وبالتالي قادت إلى التعامل مع قضية الإعاقة بطريقة (عاطفية) وغير مركزة، ولم تخدم تطوُّر الممارسات الاجتماعية، وتطبيق الآليات الحكومية للاهتمام بقضية الإعاقة.
ثمة بعض التطورات الإيجابية والاجتماعية والحكومية في المفهوم، حدثت نتيجة للجهود المركزة التي بذلتها جمعيات ومؤسسات الإعاقة في السنوات الماضية. لقد قادت جهود مكثفة للتعريف بقضية الإعاقة، وبخاصة التحدث مباشرة عنها بدون خجل. وفي القرآن جاءت المخاطبة مباشرة {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ...}، وهذا تأكيد أن الإعاقة لا تأخذ أو تنقص من كرامة الأشخاص وحقوقهم.
أيضًا من أهداف توحيد المصطلح التأكيد أن الحقوق الإنسانية الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة هي نفسها للبشر الأسوياء، وهذا يعني عدم استبعادهم من أية جهود أو برامج تبذل في المجتمع أو لدى الحكومة؛ فالإعاقة لا تمنع أو تحول دون الحصول على كامل الحقوق الدينية والأخلاقية والنظامية. أيضًا هذا التوجيه الملكي يؤكد التزام المملكة العربية السعودية بما وقّعت عليه من اتفاقيات دولية في عام 2008.
كذلك توحيد المصطلح له إيجابية أخرى، هي توجيه الفكر والتصور والنظرة عن الأشخاص ذوي الإعاقة؛ فالذي قدر الله له ظروف الإعاقة يعوضه الله سبحانه بأمور مفيدة لنفسه ولأهله ولمجتمعه وللحياة؛ فالله سبحانه عادل في المعيشة بين عباده. والمجتمعات التي استوعبت هذا التصور الإيجابي لم تقف عند حدود الشفقة والتعاطف، بل حوّلتها إلى برامج ومشاريع مستدامة لخدمة ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمكينهم، واستثمار إبداعاتهم. وأنتم الآن تستذكرون الكثير من الأسماء التي أبدعت وحلقت في فضاء الإنسانية من الأشخاص ذوي الإعاقة.
أيضًا استهدف توحيد المصطلح توجيه الوعي الاجتماعي لأجل التفريق بين الأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، منهم المرأة الحامل، والمريض، والأيتام، والطفل الموهوب، والشخص قصير أو طويل القامة.. وربما هناك غير هؤلاء مَن يحتاجون إلى عناية خاصة، قد لا تكون مستدامة. وفي سنوات معينة هذه الفئات تتطلب اهتمام التشريعات والبرامج الحكومية، وتحتاج إلى التعامل الاجتماعي الخاص حتى تتجاوز تحدياتها ومشاكلها الخاصة، وتمضي في حياتها.
ثمة إيجابية أخرى لتوحيد المصطلح، نجدها في سلامة ودقة توجُّه البرامج والمشاريع الحكومية التي تستهدف قضية الإعاقة. فاستقرار المصطلح ووضوحه يؤدي إلى (تركيز التوجُّه) إلى دمجهم، والاهتمام بهم، واستقرار الخدمات وتطورها وتوسعها على المدى البعيد.
كذلك توحيد المصطلح يؤدي إلى دقة الأبحاث والدراسات، وهذا له انعكاسه الإيجابي على التخطيط السليم لبرامج وخدمات الأشخاص ذوي الإعاقة. الدارسون والباحثون حتى الآن لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات الدقيقة عن الإعاقة حين البحث في قواعد المعلومات لدى الوزارات والمؤسسات الحكومية. هيئة الإحصاء هي التي بادرت مؤخرًا إلى الاهتمام بهذا الجانب، وطبقت توحيد المصطلح في آخر مسح ديموغرافي.
هناك إيجابيات عديدة للتوجيه الملكي لتوحيد المصطلح، ويعد نقلة في المفهوم والممارسة، وسوف يجني ذوو الإعاقة ثمراته، ولعله يحيّد من يدعون الإعاقة لكي يحصلوا على حقوق ومميزات ذوي الإعاقة. ولا شك أن اهتمام المملكة بقضية الإعاقة يأخذ المسار الصحيح الإيجابي بعد قيام هيئة متخصصة بالإعاقة، تبذل جهودها المكثفة الآن لإطلاق المشاريع والبرامج، وكان آخرها إطلاق (برنامج الوصول الشامل). والمهم أن تجد الهيئة الدعم المادي والبشري الذي يمكِّنها من مهمتها.