محمد آل الشيخ
أنا لدي قناعة عميقة مؤداها أن رجال الدين إذا أقحموا أنفسهم في الشؤون السياسية ساقوا بلدانهم إلى الجحيم. إيران التي تربع فوق عرشها الملالي جعلوها خلال أربعين عاما من أفقر بلدان المنطقة، رغم ثرواتها الكبيرة من النفط والغاز، وليس لدي أدنى شك أن الإيرانيين اليوم يتذكرون عصر الشاه الزاهر، ويعضون أصابع الندم بسبب ثورتهم عليه، وإتيانهم بهؤلاء الكهنة المتخلفين مكانه.
متأسلمونا من رجال الدين السُّنَّة أرادوا أن يحذو حذو الإيرانيين ويقفزوا إلى السلطة، ويجعلوا لهم دولة خلافة، يرأسها ولي فقيه، ولكن سني، خلال ما سموه حينها (الربيع العربي)، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع، حتى تونس تربعوا على رأس السلطة فيها في البداية، ثم سلموا الراية، وعادوا إلى الخلف.
وقد روى منشق سعودي يعيش منذ ربع قرن في لندن يدعى «محمد المسعري» قصة هروبه إلى لندن مع منشق آخر يدعى «سعد الفقيه»، وكان ذلك في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم، غير أن معارضتهما سرعان ما دب فيها الشقاق، وتخاصما خصومة تثير الرحمة والشفقة والازدراء معا، الأمر الذي جعل المسعري (يكب العشا) أخيرا، ويقول في زميل الكفاح الفقيه، وفي أخلاقياته و(توريطه) لمن يعمل معه، ما لا يمكن أن يقدم عليه عربي ذو أخلاق، ناهيك عن مسلم، وأوضح في اعترافاته أنهما كانا يتسلمان من دويلة قطر (رشوة) للإساءة للمملكة، إلا أن الفقيه كان يأخذ الرشوة القطرية كاملة لنفسه، ويحرم منها المسعري، الأمر الذي جعل المغفل المسكين يمر بضائقة مالية، لاحقته بسببها كثير من الديون والالتزامات المالية، فأعلن راغما (إفلاسه). واللافت في الأمر أن الذي توسط لهما لدى العدو القطري البغيض كان (شيخا) صحويا هو سلمان العودة، كما ذكر ذلك المسعري في لقائه التلفزيوني على قناة نبأ التابعة للمعارضة البحرينية الشيعية، والممولة من ملالي الفرس، وهذا (العودة) على ما يظهر متورط في السياسة حتى أذنيه، ويسميه بعض الزملاء تندراً على رهاناته السياسية الساذجة (كيسنجر العودة). رغم أن جهله في السياسة وشؤونها كجهله في هندسة الجينات في جسد الإنسان. فقد غرد مرة من فرط إعجابه بالثورة الليبية على القذافي، ومشجعا السعوديين ضمنيا على اقتفاء أثر الليبيين بتغريدة له بالنص: (لم تقم حرب أهلية في ليبيا كما هدد الطاغية الناس بخير واستوعبوا الموقف واندمجوا في عملية ديمقراطية رائعة). والسؤال : هل ترى (كيسنجر العودة) هذا اقتنع الآن أن (المطوع) إذا تدخل في أمور السياسة وشؤونها، يكون أجهل من حمار أهله؟
ونهاية المعارضين الصحويين بعد أن هدأت الصحوة، وتحول ربيعها إلى خريف دامٍ، أن الثلاثة جميعهم، سواء كيسنجر العودة، أو الفقيه المرتشي، أو ثالثهم الذي فضحهم على رؤوس الأشهاد جميعهم قرؤوا ثورة الخميني بشكل خاطئ، وانتهوا إلى ما انتهوا إليه الآن.
إلى اللقاء