د. خيرية السقاف
لا تزال رائحة ورق الجريدة تعمِّر أنفها..
تلك الطُّلعة الطفولية البريئة، والمراسل على دراجته المزخرفة بالألوان، يركنها عند زاوية باب الدار، وعند الباب ذاته تخطف الصبية من يديه الصحيفة، ومظاريف كأنها وجبة حلوى تقتسم فتحها، وقراءة محتواها مع أبيها تارة، ومع أمها تارة..
أنهار الصحيفة التي كانت ترص كلماتها بأحرف معدنية، وأحبار بالكاد كانت تمايز بينها وكحل عيني أمها لا يزال زخمها يعطر كل ذائقةٍ يقظةٍ لا تعرف النوم في جوفها،
بالله كيف يكون بالإمكان اغتيال الحبر، والورق؟!
وهدير تلك الطابعة في أذنيها، تدور بالورق، تلده صفحات، وكلاماً؟! وفي دهشة من حولها؛ كيف لهذه الصبية أن تنتقي الحبر بحراً، والورق مرفأً، والحرف صوتاً، وهي بعدُ ما استوت على الطريق قدماها؟..
للمرة الأولى التي شاهدتها امتزج هديرها بصوتها، وغدا نور عينيها شحنة في مكوكها؟!..
إيه،
كيف يُغتال الورق، وانهار الكلام، وسواد الحبر في العيون؟!..
الذاكرة نهر، وحبر، وعطر..
واغتيال النهر محال،
بلى، وفناء الحبر ضرب من خيال،
أجل وفناء العطر شنق للزهور،
نحر للشجر،
عبث بالخضار،
أسنٌ يبتلي الماءَ في مساقط الغيم..!!
فيا لبؤس القطار..
ووحشة المحطات!!..