د. أحمد الفراج
تحدثت في المقال الماضي عن آلية تقييم الرؤساء الأمريكيين، وذكرت أن هناك معيارين، رأي المؤرِّخين واستطلاعات الرأي، وحسب هذين المعيارين، فإن المراكز الثلاثة الأولى يحتلها ثلاثة رؤساء تاريخيين، حسب المعيارين أعلاه، وهم جورج واشنطن وإبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت، إذ يتناوب هؤلاء الثلاثة على المراكز الثلاثة الأولى، دون أن يتم الجزم بأيهم الأحق بالمركز الأول، فكل واحد منهم يعتبر زعيماً عظيماً، حسب جميع المؤرِّخين وعلماء العلوم السياسية، الذين يقيِّمون الرؤساء حسب الإنجازات، ومهارات القيادة، والإخفاقات والأخطاء، وحسب رأي الشعب عبر استطلاعات الرأي، ولا شك أن كل واحد منهم له إنجازاته، التي أدخلته التاريخ من أوسع أبوابه، فواشنطن هو أبرز الآباء المؤسسين، الذين أسّسوا إمبراطورية أمريكا، بعد كفاح طويل، ثم كتبوا دستوراً متميّزاً، لا يزال يلهم الأمة الأمريكية حتى يومنا هذا، رغم أنه كتب قبل أكثر من قرنين من الزمان.
يحسب لجورج واشنطن أنه سنَّ اقتصار فترة الرئيس على فترتين رئاسيتين (8 سنوات)، مع أن بإمكانه الفوز بأكثر من ذلك، فالدستور لم يكن ينص حينها على اقتصار فترة الرئاسة على فترتين، فقد كان واشنطن ذو شعبية جارفة، ولو ترشّح لفترة ثالثة لفاز بسهولة، ولكنه تنحَّى، ولأن واشنطن إقطاعي كبير، فقد كان يملك الأراضي الشاسعة، والكثير من الرقيق، وقد اشتهر بحسن معاملته لهم، ففي ذلك الزمن البعيد، كان الإقطاعيون هم مثقفي العصر، نظراً لقدرتهم على اقتناء الكتب والمخطوطات، كما أنهم يجدون الوقت الكافي لقراءتها، ولو تحدثنا بمعايير عصرنا الحاضر، لكان السؤال: «كيف استطاع واشنطن ورفاقه أن يكتبوا دستوراً يبدأ بتقديس وتكريس مفهوم الحرية وينتهي بها، ثم تسمح لهم أنفسهم باقتناء الرقيق، وهو الأمر الذي يعارض مفهوم الحرية تماما؟!»، ولكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، ففي ذلك الزمن البعيد، كان الدستور عندما يتحدث عن الإنسان، فإنه يتحدث عن الرجل الأبيض، ومع كل ذلك، فواشنطن كان واحد من أهم ثلاثة زعماء، حكموا أمريكا، وسنواصل الحديث.