المحامي/ يعقوب المطير
ثمة حكمة فرنسية شهيرة يتداولها الناس كثيراً هي «أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً»، وهذا ما حدث بالضبط مع منتخب الجزائر حين حقق بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019م التي أُقيمت مؤخراً في مصر بعد فوزه على منتخب السنغال في المباراة النهائية بعد غياب عن التتويج بهذه البطولة استمر لمدة تسعة وعشرين عاماً (29 عاماً) منذ عام 1990م عندما حقق المنتخب الجزائري البطولة الأولى في تاريخه في عقر داره عبر النجم الأسطوري رابح ماجر.
نعم، صحيح أن بلد الجزائر الشقيقة كانت تعاني من المشاكل السياسية والاقتصادية والرياضية طيلة الأعوام الماضية، ألا أن في حقيقة الأمر أن المنتخب الجزائري كان يحاول بشكل دائم ومستمر الصعود إلى قمة إفريقيا على مستوى بطولة كأس الأمم الإفريقية ولكنه يفشل في المحطات الأخيرة منذ عام 2019م رغم تغيّر الأجيال التي لعبت للمنتخب الجزائري، وعلى الرغم أيضاً من أن الجزائر تحمل سجلاً مشرِّفاً في التأهل إلى كأس العالم حينما تأهلت أربع مرات أعوام 1982، 1986، 2010، 2014).
إذ كانت الجزائر دولة مميزة على المستوى الإفريقي في تصدير لاعبيها للاحتراف خارج الجزائر، وتحديداً للعب في الدوريات الأوروبية حتى أضحى أن يكون من نصيب الجزائر لاعبون يحرزون بطولات دوري وكؤوس في أوروبا، وكذلك يشاركون في بطولة دوري أبطال أوروبا -بطولة نخبة الأندية الأوروبية- مثل النجم الأول للمنتخب الجزائري وقائده حالياً «رياض محرز» نجم فريق مانشسترسيتي بطل الدوري الإنجليزي حالياً الذي حقق خمس بطولات هذا الموسم مع فريقه الإنجليزي ومنتخبه الجزائري، وكذلك لاعب نادي بورتو البرتغالي ياسين إبراهيمي، وكذلك لا ننسى النجم الجزائري سفيان فيغولي لاعب نادي فالنسيا الإسباني سابقاً ونادي غلطة سراي التركي حالياً ولاعبين آخرين، وهناك لاعبون جزائريون محترفون في المنطقة العربية وتحديداً في الدوري السعودي أمثال المدافع العملاق الصلب جمال بلعمري نجم نادي الشباب السعودي، والحارس المتميز رايس مبلوحي لاعب نادي الاتفاق السعودي.
تتويج المنتخب الجزائري بالبطولة الإفريقية كان تحت قيادة مدرب وطني جزائري محترف التدريب خارجياً، وهو المدرب المميز «جمال بلماضي» لاعب مانشستر سيتي الإنجليزي ومارسيليا الفرنسي سابقاً، وكان مدرباً لنادي الدحيل القطري وقاده إلى تحقيق بطولات كثيرة.
لذلك من الطبيعي أن يحقق المنتخب الجزائري بطولة كأس الأمم الإفريقية في ظل وجود كتيبة مميزة من اللاعبين المحترفين في أوروبا وخارج الجزائر، وكذلك يقوده مدرب وطني مميز محترف خارجياً أيضاً، هذه الدروس التي تقدمها لنا الجزائر في كيفية صناعة منتخب بطل ومحترف من لاعبين يتم صقلهم في الدوريات الأوروبية الكبيرة، هذا ما نحتاج إليه لتطوير المنتخبات العربية، وتحديداً المنتخبات الخليجية، بحيث صناعة منتخب قوي ليس بقوة المال أو الدوري المحلي، بل لا بد أن تتوافر عناصر مهمة لصناعة منتخب بطل هو أن يكون لديك لاعبين محترفين في أوروبا تحديداً حال بقية المنتخبات العالمية مثل البرازيل والأرجنتين وفرنسا بطلة كأس العالم الأخيرة، وليس مهماً أن يكون الاحتراف الخارجي في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبيرة، بل إنه ممكن في الدوريات الأوروبية متوسطة المستوى، فصناعة المنتخب تبدأ من صناعة اللاعب من حيث المستوى الفردي والمهاري والجماعي والمهم من ذلك هو صناعة العقلية للاعب المحترف حتى يكون منضبطاً خارجياً أكثر من انضباطه داخل الملعب هذا ما نحتاجه لتطوير المنتخبات الخليجية، بحيث نطمح لوجود لاعبين لديهم سقف الطموح باللعب في الدوريات الأوروبية الكبيرة والوصول إليها بالتدرج كحال لاعبي منتخب الجزائر.
ما زال لدينا فرصة للسماح للاعبي المنتخب السعودي للشباب الذي شارك في كأس العالم للشباب 2019 مؤخراً في بولندا منذ شهرين، بخوض تجربة الاحتراف الخارجي في أوروبا حتى في أندية متوسطة المستوى، لأن النتائج في صناعة اللاعب الشاب وصغير السن تكون إيجابية أكثر من اللاعب كبير السن واللاعب الجاهز بحيث لا تكون هناك فوائد تذكر في الاحتراف الخارجي للاعب الجاهز وكبير السن.
فهل نتعلَّم من الدرس الأخير من منتخب الجزائر؟ وهل سوف يكون لدينا لاعبون سعوديون يطمحون للعب في أوروبا ودوري أبطال أوروبا مثلاً؟ أم مجرد أحلام وردية؟