عبدالعزيز السماري
تعدّ الحرية من أكثر المصطلحات إثارة للجدل في المجتمعات الأقل تطوراً، فهي تثير مخاوف شبكات السيطرة، والتي تحكم العقول لقرون ماضية، وعندما تبدأ إشارات التحرر من تلك الشبكات، تبدأ رحلة الألم وفقدان التوازن والخوف، وما يغيب عن العقول الذين يؤمنون بإحكام السيطرة أو فلسفة الراعي والقطيع أن المسار الطبيعي للإنسان هو التعليم وارتفاع معدلات الوعي، وما يحدث من تفكيك لسيطرة الأساطير والخرافات أمر متوقع في رحلة بحث الإنسان عن حرية نسبية لا تتعارض مع مبادئ السلم الاجتماعي.
تعتبر الحرية أحد أهم الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهي تلعب دورًا رئيساً في التنمية البشرية، وتعني على وجه التحديد توسيع الخيارات البشرية، والتنمية البشرية هي أهم عامل لتحسين الرفاه، وبالتالي الحرية أداة أساسية لتحقيق ذلك، وتبين النتائج أن الحرية المسؤولة تؤدي إلى نضوج أسرع بالمجتمعات الأقل تطوراً، وانخفاض أكثر لفرص الفوضى والعنف والحروب.
ما يثير حفيظة بعض المتشددين خروج بعض السلوكيات عن الإطار العالم للأخلاق، وهذا أمر متوقع، ولابد من تحمله، فالإنسان جُبل على فعل الخير والشر، ولا يمكن أن تتم السيطرة التامة على أفعاله وسلوكياته، وإذا حاول البعض أن يفرض إحكام السيطرة تحدث الكارثة، فالعقل الإنساني قادر على التمرد والخروج عن السيطرة، وإذا تمت مراقبته تزداد عنده مؤشرات التمرد الاجتماعي، بينما تكشف الحرية النسبية شخصيته أمام الجميع، وعادة ما يلتزم أو يعود إلى طبيعته بتطور المجتمع وتحضره.
في جانب آخر يجب عدم أدلجة الحرية، فهي قيمة إنسانية، وليست نظرية سياسية أو أيدولوجية حزبية، فالحرية النسبية لا تعني أيضاً فرض الانحلال والإباحية أو نمط تفكير محدد، ولكن تعني رفع قيمة الاختيار بين الأفراد، فمن اختار المحافظة والتدين الشديد فله ذلك على شرط أن لا يفرض أفكاره على الآخرين، كذلك لا تعني الحرية التحرر السلوكي.. فالاقتصاد الوطني يحتاج إلى تحرير من سيطرة الأجانب وتشجيع المواطنين في الحصول على حقوقهم في العمل في وطنهم، وهو عمل جبار، وقد يحتاج إلى تضحية أكبر من المواطنين.. وأيضاً العمل الثقافي يحتاج إلى حرية أكثر، فالإبداع رمز للتطور في المجتمعات الأقل تطوراً.
الحديث هنا عن الحرية النسبية، فالإنسان غير قادراً للوصول إلى حالة تامة من التحرر التام، فتلك مرحلة لا يصل إليها إلا القليل من البشر، ولكن أن يتم تقليل بعض القيود التي تعيق من حركته الاجتماعية والفكرية، فحالة الخوف من المجهول لا يمكن أن تنتج فرداً صالحاً في المجتمع، ولكن تؤدي إلى نشوء حالة مشوهه ومرتكبة من إنسان غير سوي، ولهذا تنتشر حالات من تفخيخ الأجساد وتفجيرها في الأماكن العامة في بعض المجتمعات.. والخوف هو عدو الحرية والعقل الأول، والمجتمعات التي ترفع مستويات الخوف فيها تقل مستويات إنتاجها وتتراجع في مؤشرات الحضارة، ولهذا يجب وضع مراحل لتخليص الإنسان من مخاوفه، وذلك من أجل تحقيق أحلامه في حياته القصيرة، وكلما ازدادت معدلات الخوف عنده تزداد إمكانية عبوديته وتجنيده لخدمة مخاوف أكبر.
ختاماً.. الحرية هبة ربانية من أجل أن يسعى الإنسان في كسب قوته والتحرر من قوى الاستعباد الاجتماعي، ولهذا يجب أن لا نلعن الحرية، فبعض الأخطاء والخروج عن المألوف لا يقلل من قيمة الحرية الإنسانية، مثلما لا يعني أن التطرف والإرهاب يمثل جوهر الدين، ولكن هو في حقيقة الأمر خروج عن جوهره.