يقول تشارلز مايرز في كتابه (إستراتيجيات تنمية الموارد البشرية): إنَّ عمليات تنمية الموارد البشرية ضرورية لتغيير النظم الاجتماعية الذي تسعى إليه الأمم الآخذة بأسباب التجديد. وهذا الهدف لا يمكن فصله عن هدف النمو الاقتصادي في أي تحليل واقعي يستهدف رسم السياسة.
فعلى الرغم من الأهمية التي يعلقها عدد من الاقتصاديين على الاستثمار في الإنسان والجهود التي يبذلونها في نطاق النظرية الاقتصادية، فإن معظم واضعي خطط التنمية الاقتصادية لا يعنون إلا قليلاً بتحليل الموارد البشرية.
فهم وإن كانوا يعترفون بأن بعض الاستثمارات في التعليم تُعد اقتصادية، لأنها تؤدي مباشرة إلى زيادة النمو الاقتصادي، بَيْدَ أنهم يرون أن غير ذلك من الإنفاق على التعليم وتنمية الموارد البشرية هو بالدرجة الأولى (استثمارات اجتماعية) وينبغي أن تحدد بطريقة الباقي.
والواقع أنه يصعب علينا من الناحية العملية أن نحسب معدل العائد المالي من أي مشروع تعليمي بنفس الطريقة التي نحسب بها العائد من أحد السدود أو المصانع، بسبب صعوبة التأكد من مقدار ما يُعدُّ استهلاكاً ومقدار ما يمثل الاستثمار.
والتحليلات الاقتصادية للاستثمار في الإنسان التي تمت حديثاً وإن كانت تُعدُّ إسهاماً مهماً في النظرية الاقتصادية، إلا أنها ليست بعد بذات فائدة تذكر للمخططين، اللهم من حيث إبرازها للأهمية العامة للتعليم وما توحي به من أن بعض تكاليف التعليم يمكن اعتبارها استثماراً وليس مجرد استهلاك جار أو مصروفات اجتماعية.
فلا يدهشنا إذن، أن نعلم أن أضعف الأقسام في سائر خطط التنمية الاقتصادية تقريباً هي الأقسام التي تتصل بالتعليم والتدريب وغيرهما من جوانب تنمية استعدادات الناس.
وليس من المحتمل أن نتقدم كثيراً إلا إذا استطعنا أن نحلل بدرجة معينة من الدقة عمليات تنمية الموارد البشرية، وليس مجرد العوائد المالية.
إنَّ الجهود التي تبذل لزيادة تأكيد أهمية الموارد البشرية للنظرية السياسية والمحاولات التي تعمل لقياس إسهام التربية في النمو الاقتصادي كلها جهود ومحاولات بناءة.
ولكن الفكرة القائلة بأنَّ تنمية الموارد البشرية يمكن أو ينبغي تحليلها فقط في صورة اقتصادية تُعدَّ فكرة مضللة، إذ من الخطأ أن نفترض أن الغرض الأساس من تنمية الموارد البشرية هو زيادة إسهام الإنسان في إيجاد الخدمات والسلع الإنتاجية إلى أقصى حد ممكن، كما أنه مما يجافي الواقع أن نقيس العائد من التعليم بدلالة زيادة دخول الأفراد فقط أو زيادة الدخل الكلي في النظام الاقتصادي. فمن المؤكد أنه لا ينبغي اتخاذ الزيادة في الإنتاج المقياس الوحيد لفعالية تنمية الموارد البشرية.
ومع ذلك، فإن علماء الاقتصاد بوصفهم متخصصين فنيين يميلون إلى قياس التقدم بدلالة المعايير الاقتصادية وحدها، حتى ولو كانوا كأعضاء في المجتمع، يمتازون باتساع نظرتهم إلى أهداف هذا المجتمع.
ومن ناحية أخرى، فإنَّ من المغالطات المنطقية أن نقول إن التعليم وغيره من وسائل التنمية البشرية ينبغي أن تُعدُّ حقوقاً إنسانية، بغض النظر عن إسهامها في إنتاج السلع والخدمات النافعة.
فالتربية للمواطنة، والتربية للتكيف في الحياة أو التربية من أجل رفع شأن الحرية والكرامة وقيمة الإنسان، كلها أهداف مشروعة، ولكنها لا تُعدُّ إلا بصورة جزئية عن تطلعات المجتمعات الحديثة وآمالها.
فالأسلوب الإنساني البحت في معالجة تنمية الموارد البشرية، شأنه شأن الأسلوب الاقتصادي المحدود، يشوّه المعنى الحقيقي لآمال الإنسان الحديث والمجتمعات الحديثة.
ختاماً أقول: إن تقدير نمو الموارد البشرية يُعدُّ نقطة البداية المنطقية في أي تحليل للنمو ومسايرة العصر.
** **
للتواصل: zrommany3@gmail.com