د. محمد عبدالله الخازم
لا أجيد دور الناصح الخبير، رغم أن البعض يحسن الظن متوهمًا أن كل شعر أبيض يختزن الحكمة. نصيحتي المختصرة والمكررة هي: لا تكثروا الاستماع إلى نصائح وتوجيهات الآخرين، وإن حصل فلمجرد الاطلاع. اصنعوا تجاربكم بأنفسكم؛ فكل منكم له تجربته ومساراته في الحياة. احذروا عرّافي تطوير الذات وأصحاب النصائح المعلبة؛ يحاولون إقناعكم بتبني سمات وصفات جديدة، لا تناسب طبائعكم. تعرَّفوا على ما تتميزون به/ نقاط قوتكم، وحسِّنوها، تكونوا قد نجحتم. جملة اعتراضية: لم أحب مسوقي تطوير الذات عندما رأيتهم يطلبون من صاحب القلب الطيب أن يتحول إلى صقر جارح، يغرونه بالخروج من ثوبه فلا أصبح صقرًا، ولا بقي حمامة سلام.
رغم اختصاري المقال أعلاه؛ فالسهرة كانت طويلة، والمحبون الصغار عمرًا، الكبار قدرًا، المبتعثون حاصروني بالأسئلة. اجتهدت، وقد أعجبتهم بعض النقاط، أدوّنها مع التكرار «كلٌّ له تجربته وحكايته وخبرته التي يصنعها بنفسه».
ما هي المهمة الأولى عند وصولي أرض الوطن؟ سؤال من ابن حائل المبتعث من إحدى جامعات الرياض؟
لو وجدت رحلة مباشرة لقلت لك من واشنطن إلى حائل مباشرة. اذهب (بعد حيي) مباشرة إلى والدتك وأختك الصغيرة في قريتكم الصغيرة؛ إنهم ينتظرونك بالفرح والشوق والفخر. اترك المهام الأخرى جانبًا؛ ففرحة أم وأخت وأب «تسوى تعب السنين»، وبقية الأمور «ملحوق عليها»؛ لن يطير منك العمل أو الراتب أو السيارة أو الشقة بهذه الخطوة. أهلكم معكم في الغربة بقلوبهم ودعواتهم ومشاعرهم؛ فلا تنسوا فرحتهم والاحتفاء معهم قبل أن يخفت وهج المناسبة.
تغربت ثماني سنوات، وأصبحت استشاريًّا، ويا خوفي من العودة لعقليات إدارية قديمة غير مستوعبة ما وصلت إليه!
عزيزي الاستشاري، ستعود بعلم غزير لك ولمرضاك، لكنك ستكون موظفًا يبدأ من الصفر في المنظومة الإدارية والتوظيفية. ستبدأ في بيئة جديدة لأول مرة بغض النظر إن كنت استشاريًّا أو عاملاً. هذه قاعدة لكل من ينتقل لعمل جديد. احذر خلط الأدوار، كن متواضعًا، كن متعلمًا جديدًا، كن مستوعبًا لمن هم قبلك، ويدركون التفاصيل. احتفظ بأفكارك لما بعد فهم البيئة الجديدة ومناسبتها لزرع الجديد، وتقبُّل الناس لك كزميل. مهما تكن شهادتك ومستواك ومنصبك السابق لا تتوقع منهم احتضانك إن أتيت منذ أول يوم تخبرهم بأنهم لا يجيدون ما يعملونه!
أنا متحمس للتطوير والفرصة متاحة لرئاسة قسمي الأكاديمي، ما رأيك؟
الحماس طبيعي، الإدارة لها وهجها، ورغبتك في المساهمة في التغيير والتطوير مقدرة. لا يوجد مسطرة واحدة للنجاح في المسيرة الأكاديمية/ المهنية بصفة عامة، لكن مختصر الحكمة «كن فردانيًّا دون أن تخل بمسؤولياتك وأخلاقياتك وواجبات عملك». ليست سلبية أن تعمل على تطوير ذاتك وبحوثك وأدواتك الأكاديمية أولاً. باختصار، أنت مسؤول عن نفسك وترقياتك وطلابك وما يوكل إليك قبل أن تكون مسؤولاً عن تغيير الكون.
مبروك للعائدين وللعائدات مكللين بالنجاح. مع التأكيد أن النصائح عبارة عن وجهة نظر، أو رأي يصدر من شخص تجاربه تأسست في سياق ومناخ مختلفَين؛ فلا تأخذها على أنها حِكَم منزلة؛ تجربتك وخبرتك وحكمتك ستطورها أنت، لك أنت.