محمد سليمان العنقري
سجّل الناتج الإجمالي للصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي أقل معدل نمو منذ عام 1992م، أي قبل 27 عامًا؛ إذ بلغ النمو نسبة 6.2 %، وهو ما اعتُبر إشارة تثير القلق من قِبل الكثير من بيوت المال العالمية؛ إذ كانت الصين هي القائد لنمو الطلب على السلع والخدمات منذ سنوات طويلة؛ فهذا التراجع بالنمو الاقتصادي للصين واكبه تراجع بالصادرات والواردات. ومع تفاقم أزمة فرض الرسوم من قِبل أمريكا على الواردات من السلع الصينية للسوق الأمريكي فإن تساؤلاً مهمًّا طرح نفسه: على ماذا ستعتمد الصين لتجاوز هذه الضغوط المتلاحقة على اقتصادها؟
فمن الواضح - وبحسب تقارير دولية عديدة - أن الصين باتت بحاجة لحزمة تحفيز اقتصادي ضخمة لاستعادة زخم النمو، لكن ضخامة حجم الديون في الصين التي بلغت 40 تريليون دولار، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف ناتجها المحلي، يجعل من خطط التحفيز المنتظرة تحت وقع وتأثير ضخامة حجم الديون الذي رغم «تطمينات» المسؤولين الصينيين بأنه لن يمثل قلقًا على الاقتصاد الصيني لكن تسارع وتيرة نمو هذه الديون لن يبقيها في مربع الأمان، بل ستصبح قنبلة موقوتة، تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، وليس الصيني فقط.
فحجم هذه الديون يمثل 15 % من إجمالي الدين عالميًّا التي تبلغ 266 تريليون دولار، تشمل الديون السيادية للدول وللشركات وللأسر في أنحاء العالم. فما يقلق حقيقة أن الصين ليست بمستوى قوة النظام المالي الأمريكي، ولا بنوكها أيضًا تملك نفس القوة والانتشار؛ فأمريكا كان لديها القدرة لمواجهة أزمة 2008م لاعتبارات عديدة؛ كونها أضخم نظام مالي عالمي، ودولارها هو عملة الاحتياط الأولى بالعالم، وأسواقها الوجهة الأولى للاستثمارات من دول العالم كافة، لكن الصين لا تملك هذه المقومات؛ وبالتالي فإن أي أزمة تواجه نظامها المالي وبنوكها ستكون ذات أثر بالغ جدًّا على اقتصادها، فمع ضغط تراجع النمو، وكذلك أزمة الرسوم على سلعها مع أمريكا، فإن أي تعثر ستواجهه شركاتها أو مواطنوها المقترضون سيكون ذلك مكلفًا جدًّا، ولا يمكن تقدير عواقبه.
إن هذه التحديات التي تواجه اقتصاد الصين تفتح الباب للتساؤل حول مستقبلها القريب، وما هي الرهانات؟ فهل ما تملكه من احتياطيات مالية يعد الضمانة لمعالجة أي أزمة مالية أو اقتصادية؟ أم إنها مع تراجع صادراتها ستركز على أن يلعب المستهلك الصيني الدور الأبرز بالتأثير في الناتج المحلي؟ أم إنها ستضطر للتوصل لاتفاق تجارة مع أمريكا، يُنهي الأزمة، لكنه سيكون لصالح الأمريكيين؟ أم إن الصين تجاوزت فعلاً تأثير دول تمثل أسواقها الوجهة الأولى لمنتجاتها بعد أن بدأت بمبادرة الحزام والطريق، وعقدت الكثير من اتفاقيات الشراكة التجارية مع 23 من دول إفريقيا؛ وهو ما فتح لها أسواقًا جديدة، وأنها باتت قادرة على تحمل الفترة الانتقالية لوجهة تجارتها وشركاتها واستثماراتها بعيدًا عن الأسواق الكبرى التي تعتمد عليها حاليًا كالسوقَين الأمريكي والأوروبي؟.. هذه الأسئلة ستجيب عنها الأيام القادمة خلال العام الحالي والقادم على أبعد تقدير، لكن يبقى خيار المستهلك الصيني هو الأكثر ضمانة لتحسين النمو الاقتصادي، فهل هو جاهز للعب هذا الدور؟ إذ إن تأثيره حاليًا لا يتعدى 30 % من إجمالي التأثير بالناتج المحلي مقارنة بالأمريكي والأوروبي اللذين يبلغ تأثيرهما نحو 70 %.