ربما نحتاج إلى أن نكون من جديد لتكون البداية صافية نقية ممتلئة بالروح والسكون والطمأنينة بداية كالخلق المتجدد كتكوين الأجنة في بُطُون الأمهات خالية من الأحداث ومن الأقدار، لم يجرِ عليها شيء من أمور الدنيا ولا قوالب القدر.
عشت في كنف حياة مليئة بكل شيء. لم ينقصني شيء ملموس طيلة العشرين عاماً التي كانت..
حتى بلغ القلبُ أشده، والمشاعر أينعت، والروح بحثت.
كنت على غُصن أخضر متبرعم بالعطايا والذهول والتمكين، يتسلقه الأصدقاء والصادقون، وأنا ما زلت قابعةً في وسطه أغزل الحلم الذي سيساعدني أن أكون بألوان زاهية فراشةً قوية، تواجه الريح التي تنتظرها من كل اتجاه، تساعد نفسها أن تكون ذا شأن ملحوظ.. لكن هذه القوة والطموح والألوان تحتاج إلى غذاء للروح، كيف عليها أن تتخلص من الكيان الذي يحبسها داخل هذه «الشرنقة» لتكون كما تريد.
مرت الدنيا سنوات عجافًا، ذُخرَ قمحُها في سنبلةٍ متيقنة أنها ستعود ممتلئة ذات يوم، أو علّها بعد هذا تكون كما تود.
كل شيء حتى يكبر يحتاج لمقومات عيش: ماء وغذاء وشمس وهواء وحب...
كيف لك أن جمعت كل ذات على حِدَةٍ لأكبر كما أبدو لك؟!
كيف تسنى لك دفء الشمس في يديك وماء الورد من صوتِك؟ كيف فعلت وأصبح غذاء روحي وجسدي وجودك؟ كيف انتقيت الألوان من امتزاج المطر وقتما عكس النور على زجاجة عطرك ولونتني؟!
كيف كبرت في «لونين»؟!!
جميعنا قد كان مَن له علينا أثر..
حتى الذي لم يعلم كيف أصبح ومتى أصبح هناك من فَعل به كل هذا النضج والجمال دون أي انتباه منه..
أعطاه حياةً لحياة أفضل يريدها..
جمع له الموائد من الحُب ليطعمه عند حاجتها..
أنبته بجذور متجذرة لا تُقتلع.. أحبه بتمادٍ لافت حتى أزهره.
تخيل أنني شققت جسدي لأخرج شيئاً آخر تماماً، خرجت من الركود ومن الثبات إلى الهواء الطلق بعينيك بجناحين لا يصفقان إلا بتواجدك..
ولا تستدل الأزهار إلا بك.. خرجت بأجمل ما يمكن أن أخرج به تاركةً الغصن ومن عليه لهم...
فالاكتفاء يجعلك محلقاً دون توقف، ومدركاً دون إخفاق، يجعل منك شيئاً ثابتاً وقوياً، لا يعبر بسهولة، ولا يجيد الالتفات حتى عندما أقف على الماء لا أبتل، أقف زاهية، يعكسني كما يعكس الشمس تماماً فأتوهج..
نعم، جعلتني متوهجة طامحة وكبيرة، لا تذكر أحداث النمو التي مرت، ولا حتى ألم الخروج إلى الحياة...
لا تذكر الحظ ولا المفروض ولا حتى الممكن.. كل ما تذكره الآن كيف عليها أن تبقى بذات الرونق طالما أنت هنا..!!
** **
- شروق العبدان