أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: رحم الله أستاذي وشيخي (علي الطنطاوي) قدس الله روحه؛ فقد كان على تقوى من الله.. هكذا حسبته وشاهدته، وكان مع هذا خفيف الروح مع ربيع الحياة الذي هو الحب.. قال في كتابه (قصص من التاريخ) الصادر عن دار المنارة/الطبعة الثانية عشرة عام 2017 ميلادياً 1438 هجرياً ص65 - 66: (ابن الحب: الطائف).. تلك القرية المسحورة التي سارت ذات يوم (كما تروي الأساطير).. راجع كتاب ياقوت (معجم البلدان): من ربوع الشام بينابيعها وجداولها، وبساتينها ورياضها، وزهرها وثمرها؛ فطافت حول الكعبة، ثم تسلقت الصخور حتى استقرت في أعالي جبل (غزوان)، وهجعت على سرير من السحاب حالمة بالسهول والأنهار والنعمة والخصب؛ لتستيقظ مع الفجر؛ فتصنع العظماء والقادة، وتقذف بهم إلى الدنيا الواسعة، وكانت منازل الطائف كأنها أسراب من العشاق قد تغلغلت في هذه البساتين؛ لتفيء إلى عزلةٍ سعيدة تنعم فيها بذكرى اللقاء الماضي، وتحلم بلقاء جديد.. وأوى الزراع إلى بيوتهم؛ فناموا بين أهليهم كما نام الرعاة إثر نهارٍ حافل بالتجوال الفاتن في هذه الجبال التي تتفجر صخورها السود بالنبت الأخضر، والزهور البرية ذوات الألوان العارية.. ولم يبق في المدينة عين ساهرة إلا عين سيدٍ غريب (يذكره هذا الليل الساجي، وهذا البدر المطل على بلده؛ فيؤرقه الشوق؛ فهو يطوف بهذه المرابع ويده على قلبه) وعيوناً [؛ وهناك عيون] أخرى خلال تلك البيوت التي تبدو سرجها المضيئة من بعيد كليلة الضوء [ترتجف] من الخجل وهي تضرب بأشعتها تائهة وسط الفضاء حيث يجلس على العتبات فتيات بائسات يعرضن في استحياء أجساداً قد عرتها هاتيك المهنة الآثمة، ينتظرن عابراً يسوقه المقدار إليهن فيبعنه اللذة، ويطعمنه من لحمهن؛ ليعطيهن دراهم يحملنها إلى أسيادهن الذين يكرهونهن على البغاء، ولا يكون نصيبهن بعد ذلك إلا أرغفة من الخبز معجونة بالدم والشرف والوحل.
قال أبو عبدالرحمن: موعظة ربنا سبحانه وتعالى حول الإماء بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (33) سورة النور، وبيع الشهوة على من هب ودب ليس من الحب في شيء؛ وإنما هو شهوة قبيحة محرمة؛ وإنما الحب المجنح الذي يثب بالقلوب: هو الحب ذو الحرمان الذي ذاق عذابه كاتب هذا الاستدراك أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري؛ وهو الذي تغنى به أستاذي (الطنطاوي) في حلقةٍ مضت.. وأما تغني أستاذي (الطنطاوي) بمدينة الطائف بربوعها وسهولها وساحاتها وثمارها: فذلك تسلية لمعاني الحب الجمالي البشري النسائي؛ (وقبحاً قبحاً لحب الغلمان)؛ إذا تغذر الحب من تحصيل الزواج المشروع الطهر؛ فسبحان من جمع بيني وبين شيخي (الطنطاوي) بهذه التسلية؛ فقد عانى أبو عبدالرحمن الظاهري ذلك بمقالاته الغنائية عن مدينة (كفر أبو صير) بالقاهرة؛ وما حب الديار شغلن قلبي؛ ولكن حب من سكن الديارا؛ وذلك بالنسبة لأبي عبدالرحمن الظاهري؛ فإنه اصطلام بأم بعض ذريتي عام وفاة الملك (فيصل)؛ إذ سميت ابني (فيصلاً) لما صادف مولده وفاة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله تعالى ميلاد ابني.
قال أبو عبدالرحمن: وأما قول الشاعر: (ما الحب إلا للحبيب الأول) فلم يرد مطلقاً؛ بل ورد بصفة الحبيب، وأما (الأول) وليس هو (الحبيب): فذلك عذاب دنيوي معجل؛ وإنما فائدته في قضاء الشهوة؛ وهي شهوة يحصل بعدها التأفف؛ إذ لا جمال حبيباً؛ ولذلك حديث يأتي إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم عن عشق الديار، والله المستعان.