د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للنفط في العالم، حيث تنتج هذا العام نحو اثني عشر مليونا ونصف المليون برميل في اليوم، ومن المتوقع أن يبلغ إنتاجها عام 2020م ثلاثة عشر مليونا ونصف، أي أنها ستضيف لسوق النفط العالمي زيادة بنحو مليون برميل كل عام، وربما يكون أكثر من ذلك، وإذا ما استمر الحال على ذلك فإنها ستغطي حاجتها في غضون خمس سنوات تقريبا، واستمرار ذلك الوضع يعني فائضا في الأسواق قد يصل إلى حد التخمة، لا شك أن الحرب التجارية القائمة الآن بين بعض الدول، وإن فضل بعض السياسيين عدم تسميتها بالحرب التجارية، ستؤدي إلى تباطؤ في معدل النمو العالمي، وهذا بدوره سيكون عاملاً لتقليل الطلب على النفط في السوق العالمي، وإذا ما أضفنا إلى ذلك التسارع الكبير في التقنية المتعلقة بتوليد الطاقة، مثل السيارات الكهربائية، وذاتية القيادة، ورفع كفاءة الاستهلاك، وانتشار الطاقات البديلة غير الأحفورية الصديقة للبيئة وغير الصديقة للبيئة فإننا نجد أنفسنا أمام حقائق وليس تكهنات بأن معادلة النفط سوف تتغير. لا أحد ينكر أن المشاكل السياسية التي تعاني منها بعض الدول المنتجة للنفط مثل فنزويلا، وليبيا، وغيرهما، سوف تقلص من المعروض العالمي، لكن ذلك يعتبر حدثا مؤقتا لا يعول عليه في النظرة البعيدة لسوق النفط، التي ترتكز على ثوابت افتراضية بديمومة السلام العالمي، ولاشك أن الكوارث البيئية التي تحدث هنا وهناك كما يحدث كل عام في الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، سيؤثر على الإنتاج بدرجة يسيرة ومؤقتة، لكنه يبقى أثرا لا يؤخذ بالحسبان على المدى البعيد، لأن تأثيره محدود ومتوال، أي أن السوق قد أخذه في حسبانه السنوي. المملكة العربية السعودية، قد أدركت هذه الحقيقة منذ فترة، ولهذا فقد كانت وبصورة سريعة تلتمس بدائل حقيقية يمكنها الإسهام في إجمال الإنتاج الوطني، وإضافة عملات صعبة للاقتصاد الوطني، والحد من مغادرة رأس المال، من خلال إحلال القوى العاملة السعودية بدلا من غيرها، إلا في نطاق الحاجة الحقيقية.
والمملكة تحتضن حقولا نفطية يمكن الإنتاج منها بتكاليف قليلة مقارنة بكثير من الحقول المنتشرة في العالم، كما أن تكاليف النفط الصخري مازالت مرتفعة جدا مقارنة بتكاليف الإنتاج المتوفرة بكثرة في المملكة.
لو حدث فائض نفطي في السوق لسبب أو لآخر، وانخفضت الأسعار فإن عدداً غير قليل من الحقول في العالم ستخرج خارج السوق، وتبقى حقول المملكة وبعض الدول الخليجية قادرة على الإحلال وملء الفراغ، الناجم من توقف الحقول الأخرى عن الإنتاج. إيران خارج هذه المعادلة، فرغم أن حقولها تنتج بتكاليف معقولة، وبكميات مناسبة إلا أنها لا تستطيع التصدير بالكمية القادرة على إنتاجها لسبب حصار مفروض عليها نظرا لسلوكها غير السوي في المنطقة، وهي في حاجة ماسة إلى العملة الصعبة لتسديد مستورداتها لهذا، ولهذا فإن أمامها خيارين، إما العودة إلى رشدها، أو التمادي في غيها، ومحاولة خلق الأزمة تلو الأخرى، لتبقي السوق تحت تأثير عدم الاستقرار، فيرتفع السعر، لتحصل على أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة من خلال بيع ما تستطيع بيعه بأساليبها الملتوية، ونحن نرى ذلك واقعيا في الأزمات المفتعلة والمتلاحقة، فقد رأينا أزمات من تفجير ناقلة إلى إسقاط طائرة، إلى حجز باخرة، بعد أن قررت الولايات المتحدة وغيرها من الدول حظر شراء النفط الإيراني، ومقاطعة الشركات التي تتعامل فيه، بالشراء أو الإنتاج أو حفر الآبار أو توفير قطع غيار، ومن المتوقع أن نسمع بين الفينة والأخرى أزمة هنا أو هناك، مع حذر إيران الشديد ألا تصل الأمور إلى المواجهة المباشرة لأنها تعلم أن ذلك نهاية لأسلوب الحكم والبنية التحتية وزيادة الآلام البشرية الإيرانية، مع ما يعانيه الشعب الإيراني من مآس متراكمة.
الأزمات المؤقتة تحدث في العالم، بل في المجتمات، وداخل الأسرة الواحدة، لكن الأزمات المبنية على إستراتيجيات للوصول إلى غاية معينة تبقى مشكلة دائمة حتى يحدث أمر ما يميز تلك الإستراتيجية، ونحن نعلم الإستراتيجية الإيرانية القائمة على التوسع ونشر أيدلوجية معينة، وهذا يعني بقاء الأزمة في المنطقة، لأن العالم بأسره يقف حائلا دون تحقيق ذلك، وقد رأينا في القرن السابق زوال الأيدولوجيات التي كانت سائدة، مثل النازية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي، وغيرها، فهل تعي إيران ذلك؟