محمود شومان
مؤخراً أعلنت وزارة الدفاع في تركيا عن استلامها الشحنة الأولى والثانية من منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية إس 400 بعدما وصلت المعدات إلى قاعدة جوية شمال غربي العاصمة أنقرة على متن طائرات تابعة للجيش الروسي على الرغم من التهديدات والتحذيرات على المستوى الداخلي والخارجي ولاسيما من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي لم ينتظر وصول الشحنة الثانية من معدات النظام الدفاعي الروسي حتى أعلن عن قلقه من حيازة تركيا وهي العضو المهم في الحلف لتلك المنظومة الصاروخية.
استلام تركيا لمنظومة اس 400 لم يكن الا ترجمة لموقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أكد مراراً عليه برفضه التهديدات الخارجية التي تتعلق بالحصول على النظام الروسي وعدم الرضوخ لتلك التهديدات وأنّ «بلاده لن تتراجع مطلقاً عن شراء منظومة إس-400 للدفاع الصاروخي الروسية»، و»ربما تدرس لاحقاً حيازة منظومة صواريخ إس-500».
وقد تكون ثمة علاقة بين استلام المنظومة الروسية من قبل تركيا في الوقت مع تراجع الضغط الأمريكي الواضح من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة العشرين أن الولايات المتحدة تواجه موقفا «معقدا» في كيفية الرد على صفقة تركيا لشراء أنظمة «إس-400» الروسية للدفاع الصاروخي ملقيا باللوم على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في وضع شروط لشراء تركيا صواريخ «باتريوت» الأمريكية لكن لم يستبعد فرض عقوبات على تركيا في حال استلام المنظومة وهو ما حدث فعلا.
مخاوف وذرائع الإدارة الأمريكية لرفض حصول تركيا على النظام الروسي تعتمد بالاساس على أن تركيا لا يمكنها حيازة أنظمة دفاع جوي روسية وأمريكية متقدمة معا، تُستخدم لاعتراض الطائرات والصواريخ وأن نشر الصواريخ الروسية وما يتطلبه من تعاون وتدريب مشترك بين قوات تركية وروسية، يمكن أن يؤدي لتسريب معلومات عسكرية وفنية حساسة لروسيا وهو ما دفع الإدارة الأمريكية لتقديم نظام «الباتريوت» كبديل للمنظومة لكنه قوبل برفض من الجانب التركي.
وبالنظر إلى القدرات الدفاعية للنظامين تتجه بوصلة التفوق إلى النظام الروسي فيما يخص نظم الرادار والاستطلاع التي تستخدم لأغراض الإنذار المبكر، ولتتبع الأهداف وتوجيه الصواريخ نحوها، تتميز المنظومة الروسية بأن رادارها يغطي دائرة قطرها 600 كيلومتر، فيما يغطي رادار الباتريوت دائرة قطرها 150 كيلومترا ونتيجة لاختلاف مساحة تغطية الرادارين، تستطيع منظومة إس 400 رصد 300 هدف في آن واحد، فيما تتمكن الباتريوت من رصد 125 هدفا فقط.
ويترتب على استلام تركيا للنظام الدفاعي الروسي تبعات على درجة كبيرة جداً من الخطر ربما تجعل تركيا في مواجهة شبه مفتوحة مع الولايات المتحدة التي سبق وأن حذرت من «عواقب سلبية» إذا لم تتخلّ تركيا من الأساس عن فكرة شراء منظومة إس-400 الصاروخية الروسية التي تعتبرها الإدارة الأمريكية أنّها تتعارض مع رغبة أنقرة في شراء طائرة الشبح الأمريكية الجديدة من طراز أف-35.
وإن بدا أن الرئيس الأمريكي قد أبدى تعاطفا مع الجانب التركي فيما يتعلق بالصفقة الا انه قد يجد نفسه مضطراً لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه انقرة خاصة بعدما دعا عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، من الجمهوريين والديموقراطيين، إلى إلغاء تسليم شحنات اف-35 إلى أنقرة، وطالبوا بفرض عقوبات على المسؤولين الأتراك المنخرطين في الصفقة مع روسيا وقال إليوت إنجل ومايكل مكفول، العضوان الرئيسيان الديمقراطي والجمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في بيان مشترك «لقد منحنا الرئيس أردوغان الخيار، ولقد أتخذ بشكل واضح الخيار الخاطئ» وأضافا «أنْ يقوم حليفٌ في الناتو باختيارِ التحالف مع روسيا وفلاديمير بوتين على حساب الحلف الأطلسي والتعاون الأوثق مع الولايات المتحدة، هو أمرٌ من الصعب تفهّمه».
ومن الناحية الاقتصادية من المتوقع أن يتعرض الاقتصاد في تركيا لوضع سيئ في حال فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على تركيا بموجب قانون كاستا الذي تستخدمه واشنطن في وضع مشابه للوضع الراهن أي معاقبة من يشتري أسلحة من أعداء أمريكا..وسبق لتركيا التعرض لحرب اقتصادية من واشنطن في قضية القس الأمريكي الذي احتجزته أنقرة لأشهر قبل أن تضطر للإفراج عنه تحت وطأة عقوبات أمريكية هوت بقيمة الليرة التركية.
وفي الأزمة الحالية لم تنتظر الليرة التركية فرض العقوبات الأمريكية حتى هوت قيمة الليرة التركية الجمعة 1.2 بالمئة مقابل الدولار بفعل مخاوف المستثمرين من عقوبات أمريكية فمع حلول الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش سجلت الليرة 5.7460 مقابل العملة الأمريكية.