د. علي بن فايز الجحني
إن نظام الأمن العربي بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية يعيش حاليًّا أزمة خانقة تضاعفت خلال السنوات العجاف الماضية تزامنًا مع ما يسمي الربيع العربي، وهذا ما يتطلب العودة الصادقة إلى بناء نظام أمن عربي مشترك يقف في وجه التحديات التي من أخطرها النظام الإيراني الإرهابي، الذي يستهدف العرب، ويدعم التنظيمات والمليشيات الإرهابية القاعدة وداعش، والحوثيين، وما يسمي حزب الله، وجماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفهم الذين يتحركون بأوامره، ويقفون معه في خندق واحد ضد الوجود العربي والأمن العربي المشترك.
قلت في مقالات سابقة: «إنه لا يوجد بلد عربي أو إسلامي تقريبًا، إلا وقد اكتوى بنار التدخلات والأعمال الإرهابية الإيرانية بطريقة أو بأخرى.. وأمام طيش الصفويين ومؤامراتهم، والتحدي الخطير للأمن العربي تحت ذرائع وأوهام، وشعارات مضللة، وأمام هذا السجل المليء بالمؤامرات والأحقاد؛ فهل يمكن لأي عاقل بعد ذلك كله أن يثق في نوايا نظام ولاية الفقيه؟ إذ إنه مصدر الإرهاب والمؤامرات في كل مكان.. وقلت أيضاً إنه: «لا حل مع نظام ملالي إيران إلا من خلال سعي الدول العربية الحثيث إلى تطبيق اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وامتلاك سلاح الردع المؤثر، مهما كانت التضحيات حتى وإن ضحت الشعوب بجزء من ميزانياتها من أجل استقرارها وسلامة أرضها ومعتقدها وأمن أجيالها القادمة.. وهذا مدعاة للأمن والسلام الدوليين في المنطقة، وإلا سيندم الجميع، وحينها لا ينفع الندم، لأن النظام الإيراني سيبقى حتمًا -ما بقي في الحكم اليوم وبكرة- خطرًا يهدد الأمن العربي، والأمن والسلم الدوليين...
يقول منظّر نظام ولاية الفقيه الإيراني محمد جواد لاريجاني والقريب من المرشد وشقيق رئيس مجلس الشورى يقول: «إن دول العالم العربي ستصبح في نهاية المطاف بمثابة مقاطعات ستدين للولي الفقيه في طهران بالسمع والطاعة والانقياد، وأن الجمهورية الإيرانية هي دولة المقر بالنسبة للعالم الإسلامي» ويقول: «.. إن مسؤولية إنجاز هذه المهمة تقع على عاتق إيران- التي تعتبر نفسها الركيزة الأساسية للحكومة الإسلامية العالمية، وهي المخولة بالمهمة الإلهية لإنقاذ العالم السني وإخراجه من الظلمات إلى النور». وقال القائد الجديد لقوات التعبئة الإيرانية غلام رضا سليماني في أول تصريح له في الأسبوع الماضي: «إن قوات التعبئة «الباسيج» التابعة للحرس الثوري، لم تعد محدودة بجغرافيا إيران، بل باتت تجربة واضحة في دول عربية... في سوريا والعراق وسواحل المتوسط (لبنان) واليمن»..
إن التعامل مع العقلاء ولو كانوا أعداء يمكن الوصول معهم إلى حلول، لكن من تمتلئ نفسه حقدًا تاريخيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا مثل نظام الملالي في إيران، فإن دعاة السلام والتعايش والاحترام المتبادل لن يصلوا معهم إلى أي حل؛ إلا في حالة واحدة فقط وهي أن يدرك الملالي وأزلامهم وجميع طحالبهم أن لدى العرب على الضفة الأخرى قوة ردع كافية، أو يعلن صراحة عن تخليه عن تصدير الثورة والالتزام بالمواثيق الدولية و بحقوق حسن الجوار، وهيهات.
ختاماً، يقول الأستاذ عادل الجبير: «إن المملكة لا تمانع من فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران، إذا غيرت أسلوبها وسياساتها» وتوقفت عن «التدخل» في شؤون الآخرين، وعن السياسات الطائفية التي تتبناها ودعمها للإرهاب وزرعها خلايا إرهابية في دول المنطقة وتهريب أسلحة إليها من أجل عمليات التخريب».
إنني أميل إلى القول إن «ما يحدث الآن بين أميركا وإيران من مناوشات ومعارك كلامية هو من قبيل الضغط وعضّ الأصابع وصولا إلى توظيف كل الأوراق التي لدي كل طرف، في ظل احتمالية نجاح الوساطات من طرف ثالث لإنهاء الأزمة القائمة بدلا عن انفلاتها، لكن الأخطر أن يعاد إنتاج اتفاق «أوباما» مع بعض التعديلات والتنقيحات ويستمر تهميش المصالح العربية وتهديد أمنها، وحينها سيصبح نظام الملالي فيما بعد أشد عدوانية وتغوّلاً وإرهاباً بسبب المواقف الغربية.
صحيح أنه لا أحد يريد حرباً في الخليج، لكن من يتحمل استمرار همجية إيران ولاية الفقيه وبلطجته وتماديه في إرهابه وعدوانيته وتدخلاته، خاصة وأن هذا النظام يوظف نظرية المجال الحيوي في تمددها الجغرافي والسياسي (فردريك راتزل)، والإصرار على تصدير الثورة والعنف والإرهاب عبر أربعة عقود من الزمن.
والحق أنه من تجارب العالم المرة مع هذا النظام فإن لثقة فيه باتت معدومة تمامًا، لا سيما وقد تكشفت نواياه العدوانية التي لا حدّ لها في الدول المجاورة، وفي العالم.