علي الخزيم
(سأفترض) بالبداية أن صاحب المقطع مواطن سعودي نظراً لطريقة إخراج المشهد ومحاولة إقناع المشاهد بهذا الافتراض بوضع جواز سفر سعودي أمام الكاميرا ودلَّة القهوة العربية التي قذفها بشيء ما كان بيده وأسقطها أرضاً تعبيراً عن ضيقه من مرافقة قهوة آبائه وأجداده له بكل مناسبة ووقت هنا ببلده، فهو يريد أن يقول (برمزية جواز السفر) إنه للتو قَدِم من خارج البلاد بعد رحلة سياحية تناول خلالها سائلاً يختلف عن طعم القهوة وله مفعول مغاير، هكذا يجد بعض السياح معنى السياحة والسفر ويحصرها بما يتناوله من مأكل ومشرب، ولا يلتفت لآثار البلاد المقصودة بالرحلة ولا معالمها الحضارية ولا آخر ما أصدرته دور النشر هناك من كتب قيمة يمكن له الاطلاع عليها وقراءتها والاستفادة من ثقافات الشعوب وتجاربهم، فقد تَعَمَّد صاحب مقطع الفيديو أن يُصَوِّر لنا بعد أن رجع لدياره وداره مدى تَعَلُّقه بالسفر ومتعة الاستجمام وأنه لم يَشْفِ غليله بَعْدُ من الترحال ويتذمر من واقع الحال، مع ضحكات هستيرية تصدر منه ومن مرافقيه بمجلسه دون أن تُظهرهم الصورة؛ لكنه تعمد إظهار جواز السفر السعودي وفي ذلك رمزية واضحة (قَذْف الدلة وإسقاطها والجواز والضحك الاستهزائي).
وقد يكون المقطع مفتعلاً ويندرج ضمن الأفعال المشينة التي تحاك بتخطيط من جهات معادية للمملكة وقيادتها وللشعب السعودي بإثارة النعرات والغرائز لدى شباب الوطن لا سيما صغار السن والمراهقين؛ ومن تأخرت مراهقتهم لحين تقدم سنهم، أرادوا أن يقولوا لهم: ثوروا على عادات بلادكم وأجدادكم؛ انبذوا القهوة والرُّطَب والبخور ودهن العود وجلسات السَّمَر والشعر والقَصَصْ المُمتعة المفعمة بالحكمة والتجارب وحكايات الفروسية وبطولات فرسان العرب وتاريخهم المجيد بكل تفاصيله الساطعة المضيئة، أرادوا أن يدفعوهم للانسلاخ من كل شيمهم والتلبُّس بنقائص غيرهم ليظهروهم أمام العالم بغير حقيقتهم التي يتوارثونها عبر الأجيال، ولا اعتراض على متعة السفر والترحال والتنقل ببلاد الله؛ فالامتعاض هنا لأنهم يدعونهم (لمسارب ومواخير) لا يسلكها ويرتادها سوى السفهاء؛ فهم يريدونهم كذلك ليقولوا للعالم هؤلاء من زعموا أنهم شباب مملكة الإنسانية وأحفاد أبي بكر وعمر وبقية الصحابة الأطهار.
كذلك من المقاصد من مثل هذه المقاطع سواء كانت مصورة محلياً بتوجيهات خارجية عدائية مغرضة؛ أو نتاج توجهات محلية مترصدة: هو التقليل من شأن السياحة بالمملكة، ودفع الشباب لمناكفة الجهات المسؤولة عن تطويرها، والتقليل من جهود هيئة الترفيه، ثم إن بين ظهرانينا -فيما يبدو- فئة جعلت همها وتفكيرها بمعارضة كل مشروع حضاري تطويري، وإن كانوا سابقاً يدعون لتحقيقه ويرون غيابه قصورًا بالخدمات.
(بعض) من يعترضون على مشروعات التنمية السياحية والترفيهية هنا بمملكة الحزم والعزم، ويصفونها بمضيعة الجهد والمال وخوارم المروءة، وعلى حساب مشروعات أهم، تجدهم مع عائلاتهم يرتادون أماكن ترفيهية خلال سفرياتهم تُقدِّم عروضاً خادشة لحياء الزوجات والبنات والصغار عموماً، كما تشاهد الأسرة تعاطي الممنوعات التي لا يمكن توفرها بالمملكة بأي موقع سياحي وترفيهي وغيره بحكم الشرع وتطبيق النظام، لكنهم يصدُّون عنها هناك، ويذمون أدنى فعاليات الترفيه البريء بالمملكة.