عبدالوهاب الفايز
(رحم الله من أهدى إلي عيوبي.. أرجوكم إذا أحد منكم رأى أمر يضر العقيدة أو الوطن أو مصالح الناس ألا يتأخر في الكتابة أو الحديث، فهذا واجبكم).
هذه كانت من الثوابت الأساسية التي قامت عليها الدولة، وأعاد التأكيد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في لقائه الأسبوع الماضي مع الأسرة الإعلامية.
في المقالات الثلاثة الماضية تطرقت إلى أهمية أن يقدم الإعلام الموقف والرأي المستقلين (الخالين من الهوى) إلى (ولي الأمر) حتى يكون على صله وإطلاع بمختلف وجهات النظر المطروحة بين الناس وقياداتهم الفكرية والإعلامية، فهذا جزء من الواجبات الوطنية للأفراد وللمؤسسات، ويلتقي مع التوجه المستمر إلى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات والبرامج الحكومية التي تستهدف خدمة مصالح الناس ورعاية شؤونهم، والإعلام السعودي كان دائماً جزءًا من الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده مجتمعنا منذ حقبة التأسيس التي قادها الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- فقد كان الزعيم الذي وضع في مؤسسة الحكم أهمية الانفتاح على كل الأفكار والتصورات الضرورية لتأسيس الدولة.
الإعلام السعودي والمؤسسات الفكرية قاما بدور حيوي لإثراء مدخلات القرارات الوطنية، فالمصلحة العليا وضرورة تماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي كانتا هما الهدف الأساسي الأسمى الذي يلتقي عنده الحاكم وشعبه، وكان هو الذي يوطن النفوس، ويجعل الحلم والحكمة سائدتين عندما تكون أمور الوطن ومصالحه مطروحة في الإعلام.
الملك سلمان ظل لأكثر من خمسين عاماً على اطلاع يومي على مختلف الأطروحات الفكرية والصحفية، ويبدأ يوم عمله بالملف الإعلامي، وكان من أولويات الموضوعات التي يبحث عنها في المقالات والتحقيقات الصحفية هي تلك التي تتلمس هموم الناس وتعرض مشاكلهم، وتعودت القيادات الإعلامية أن تتلقى الاتصالات الصباحية من مكتبه التي تطلب ما يثبت الوقائع، فمن مبدأ الحكم أن أمور الدولة لا تدار بالظنون، وإنما مصالح الناس تدار بالأدلة والقرائن والشهود.
وتتبعه اليومي للأفكار والأطروحات الإعلامية جعلته ينمي مهارة تحليل المحتوى، وهذه من أدوات التحليل العلمية الموضوعية التي تستخدم للتعرف على تحديد التوجهات الإعلامية على المدى البعيد، وهذه الخاصية هي تجعله لا يحكم على أطروحات الكتاب وقادة الرأي من مقال أو مقالين، فالكتّاب يدركهم أحياناً الضعف البشري الذي ربما يقود إلى الكبوة في الطرح نتيجة الاستعجال أو الاعتماد على معلومة يتضح لاحقاً عدم صحتها.
هنا كانت الأمور دائماً تنحى إلى الوقوف مع الحق أولاً، ثم تلمس الإيجابيات وتغليب حسن الظن، فالهم الأكبر للحكم والمصالح العليا للبلد لا تحتمل الوقوف عند الهفوات والأخطاء البشرية.
هذا الأفق الكبير أدى، عبر السنين، إلى توسع ونمو هامش الطرح الإعلامي، ومما ساعد على ذلك نمو الوعي العلمي والمعرفي في المجتمع الذي مكن الفئات المتعلمة والمحترفة لأن تضع حصيلة معارفها وتجاربها في سبيل إثراء مشروع تحديث الدولة وبناء مؤسستها، وكثير ممن استثمروا منصة الإعلام الوطني لتقديم النقد والتقييم لعمل الحكومة كانوا قيادات حكومية، ومنهم ما زال في سدة المسؤولية.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سوف يبقى قريباً وصديقاً للأسرة الفكرية والإعلامية، إنها (عشرة سنين)، وفي طريق خروجه من القاعة بعد إلقاء كلمته، تأمل في الوجوه التي حوله ثم قال، مبتسماً، (أكثركم ما عرفه!).