د. يوسف بن طراد السعدون
حرصت حكومة المملكة العربية السعودية على هدف توليد الوظائف للسعوديين والسعوديات بالاقتصاد الوطني، وأولته عناية واهتمامًا كبيرًا في خططها ورؤاها التنموية كافة؛ إذ نجد رائد رؤية المملكة 2030 سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يؤكد في افتتاحية كتابها أن الطموحات تتجه إلى «فتح مجال أرحب للقطاع الخاص؛ ليكون شريكًا، بتسهيل أعماله وتشجيعه؛ لينمو ويكون واحدًا من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركًا لتوظيف المواطنين، ومصدرًا لتحقيق الازدهار للوطن والرفاهية للجميع. وهذا الوعد يقوم على التعاون والشراكة في تحمُّل المسؤولية».
وركزت هذه الرؤية على ثلاثة أهداف استراتيجية، هي: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر ووطن طموح. وتضمن الهدف الاستراتيجي الثاني لها (الاقتصاد المزدهر) هدفين عامين في المستوى الأول، هما: تنمية وتنويع الاقتصاد، وزيادة معدلات التوظيف. وفي سبيل زيادة معدلات التوظيف أوردت الرؤية أهدافًا فرعية بالمستوى الثاني، تضمنت تطوير رأس المال البشري بما يتواءم مع احتياجات سوق العمل، وإتاحة فرص العمل للجميع، وتمكين خلق فرص العمل من خلال المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمشاريع متناهية الصغر، وجذب المواهب الوافدة المناسبة للاقتصاد.
وتمكين المملكة من حيازة مركز رائد للصناعة والخدمات اللوجستية في المنطقة يعد أحد أهم برامج تحقيق أهداف تلك الرؤية؛ فهو يسعى إلى استغلال الإمكانات الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية الواعدة، بما يسهم في تنويع الاقتصاد، وتوليد فرص العمل المجزية للمواطنين. وفي سبيل ذلك أطلق صندوق التنمية الصناعية السعودي في بداية هذا العام مجموعة من المبادرات والمنتجات التمويلية الجديدة، وتم إعلان زيادة رأس ماله من 65 مليار ريال إلى 105 مليارات ريال؛ ليصبح بالتالي أكبر صندوق يستهدف التنمية الصناعية في المنطقة.
وصندوق التنمية الصناعية السعودي مؤسسة عامة، تتولى تمويل ودعم المؤسسات الصناعية المهمة من خلال تقديم قروض ميسرة متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة، أو تطوير وتحديث وتوسعة مصانع قائمة بالمملكة. وقدم منذ إنشائه عام 1974م قروضًا ميسرة للعديد من المنشآت الصناعية، بلغ إجماليها أكثر من 102 مليار ريال.
ولأهمية الدور المحوري الذي يقوم به الصندوق، ولضمان نجاحه في المساهمة بتحقيق الآمال الطموحة التي تنشدها رؤية المملكة 2030، من الضروري أن يراجع مدى فاعلية مساهمته السابقة في تحقيق أهداف توليد الوظائف المجزية للمواطنين، ونقل وتوطين التقنية، وتوسيع قاعدة المستفيدين من قروضه. فقروض هذا الصندوق هي جزء مقتطع من المال العام الوطني؛ لذلك يجب الحرص على استثمارها أفضل استثمار ممكن لتحقيق أهدافنا التنموية، وخصوصًا ما يتصل بتعزيز فرص العمل للمواطنين بالمؤسسات الكبيرة التي تستفيد من ذلك المال.
فقد أظهر تقرير مسح النشاط الصناعي لعام 2017، الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، أن العمالة الأجنبية شكلت النسبة الكبرى من إجمالي العاملين بذلك القطاع. ولم تستحوذ العمالة الوطنية إلا على نسبة 30 % من إجمالي الوظائف المشغولة؛ وهو ما يُخشى معه أن جُل المكاسب المترتبة على الإقراض السخي السابق للصندوق استأثر بها عدد من المستثمرين الأثرياء إلى جانب العمالة الأجنبية التي قامت بتحويل أموالها إلى الخارج؛ لذلك آمل أن تكون الأولوية بالدعم والقروض الميسرة المقدمة من صندوق التنمية الصناعية السعودية موجهة إلى تلك القطاعات والمنشآت التي تولد أكبر نسبة من الوظائف المجزية للمواطنين، وتسعى إلى تأهيلهم وتدريبهم؛ ليكونوا قوى ناشطة ضمن منظومتها التشغيلية.
وختامًا، بما أن توفير الوظائف المجزية للمواطنين يعد هاجسًا وطنيًّا، أولته حكومتنا الرشيدة اهتمامها ورعايتها، يجب أن تحرص أجهزة ومؤسسات المنظومة الحكومية كافة على تعزيز توليدها، وزيادة فرصها، والسعي إلى تلافي مشكلة محدوديتها في القطاعات الاقتصادية كافة، بدلاً من إيجادها بأموالنا، من خلال دعم وتمويل قطاعات ومنشآت تستند ربحيتها إلى توظيف عمالة أجنبية، وليست وطنية، ومن ثم دعوة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لمعالجة آثارها.. فمستويات توليد الوظائف المتحققة هي الدلالات الفعلية لمدى الازدهار والنماء للاقتصادات كافة.