عبده الأسمري
كثيرون من لم يعرفوا قيمة «النعم» ولم يتفهموا ذلك التأكيد الرباني «وتلك الأيام نداولها بين الناس».. لم يعلموا أن «النقم» اتجاه آخر عكسي قد ينسحبون إليه «جراً» في لمحة واحدة.. وقد تتحول «أفراح مؤنسة» في حياتهم إلى «مآتم مفزعة».. هنالك من أكرمه الله ونعمه بمنصب أو جاه.. ولكنه تعالى على قيمة «النعيم» واستعلى على قمة «الضمير» وتعلى على «نزاهة» الذات فظل يرشق المحتاجين بسهام «الغرور» ويرمق الفقراء بأعيرة «الازدراء»..
هنالك رجال أعمال ينتظرون فلاشات الأعلام ليضعون «صدقاتهم» عنواناً و«هباتهم» تفاصيلاً في القنوات والصحف.. فيما لو طلبهم «فقير عابر» في ذات المناسبة أو خارجها حاجة لنهروه وقهروه فيما يقضون سنينا وهم يلهثون خلف الأضواء حتى أن بعضهم قد أسس له قنوات وفرق عمل فقط لرصد «صدقاته» التي تعلم عنها جميع جوارحه من يمينه وشماله وقلبه وعقله وبل وعلمها جموع البشر من محتاجين وموسرين.. فيما أن هنالك آخرين يخفون «أسماءهم وهوياتهم» ويوقعون على عطاءاتهم بأعظم منصب في الأرض وهو «فاعل خير» ليتوارون خلف صدقاتهم جاعلين بينها وبينهم سوار الخفية وحواجز الخبيئة وإن سألت عنهم ستجدهم يبحثون عن الفقراء والمستضعفين ليعطوهم من نفس راضية وروح مرضية..
بعض المتثقفين ينادي بالحرية وبالانفتاح للمجتمع على رؤوس الأشهاد وأمام الملأ فيما تجده «متعنت» الخلق متشدد «التعامل» متطرف «المعاملة» في عمله وبين مجتمعه الخاص وإن بحثت في أسرار ذاته ستجده لاهثاً وراء الشهرة المؤدلجة وإن سألته عن «الحرية» تجده سامعا لها لا ملما بها ومطالبا بها وغير فاهم لها..
يأتي مسؤول في «الصحة» مشيدا ومفتخرا بإنجازات «المستشفيات الحكومية» فيما تجده وأسرته يتعالجون في «المشافي الخاصة» وإن سألته بطريقة خاصة عن السبب.. أجابك بأنه يتخوف من الأخطاء الطبية ويخشى المواعيد المؤجلة وإن كانت واسطته «جامدة» «صامدة» في وجه المحاسبة تجده وأسرته وجماعته في أول قائمة «المشمولين بالعلاج على نفقة وزارة الصحة»..
يأتي وزير ويغادر آخر وكل له طريقته في الإدارة وطرائقه في التخطيط وما أن يذهب السابق ويأتي اللاحق حتى ترى «المطبلون» في طوابير «التصفيق» وبين صفوف «التنظير» إما باحثين عن المناصب والرضا أو هاربين من جام غضب قد يأتي بفجائية فيفقدهم مكانتهم السابقة أو أماكنهم المأمولة.. ليمثلوا ببؤس وبخجل «الذوات المسكونة «بالمصالح متسلحين بحيل المجاملة واحتيال التطبيل من أجل الذات وليس من أجل مصلحة الوطن أو صالح الدائرة.
نيل المكانة الاجتماعية أو التمكن الشخصي في دائرة القرار أو مواطن الصلاحية «ابتلاء» متعدد الاختبارات معقد الامتحانات معدد المتاهات تتحول في يوم من الأيام إلى مصيدة أو كمين يسقط فيه «الفاسد» بمصير واحد وأسباب متعددة تعلوها الحتمية وتؤكدها التجربة.. قد تكون الهزيمة من «دعوة مظلوم في جوف الليل لم يلق لها بالاً» أو «غدر من رفيق شلة لم يحسب لها حساباً» أو «خطأ من ذات غافلة غابت عنها احتياطات السقوط»..
تسير الذات بخطوط مستقيمة أو طرق متعرجة أو مسافات متقطعة بين «الإدانة» و»الأمانة» وتكون ما بين التواصل أو الانقطاع فإذا سارت في غيابت «الجناية» أو غياهب «الظلم» فقد تحملت إثما وبهتانا مبينا وارتمت في سوءات «الإدانة».. وإن ترفعت عن قبو «الشبهات» وارتفعت عن قعر «المفاسد» فقط ظلت في «دائرة الأمان» و«مساحة الاطمئنان» وتفوقت في قائمة «النزاهة» وتميزت في خانة «الأمانة».
الذات على ما جبلت وصقلت.. ويبقى العقل «غرفة العمليات» الأولى لسلوك العطاء ومسلك الأداء ويظل القلب «نقطة ارتكاز» الشعور والإحساس.. وما بين المكانة بكل تفاصيلها تبقى «الإدانة» نتيجة مؤكدة وناتج أكيد في «تعرجات «التعامل» و«معارج «الأعمال»..فيما تظل «الأمانة» رهان أول و«ارتهان» أمثل لقوامة الأخلاق واستقامة الأفعال.