عبدالعزيز السماري
لا تخلو أي مشادة حول أمر مختلَف حوله من كلمة سياسة؛ فعندما تضيع الحقيقة أو تختفي الموضوعية في أمر ما يقول الطرف الخاسر قاتل الله السياسة، وتعني أن منطق العدل أو القضاء والإنصاف قد لا يسود عندما يكون الأمر سياسيًّا؛ ولهذا السبب لا يزال العالم يردد مقولة أطلقها البروسي أوتو فون بسمارك ذات مرة: «إن السياسة هي فن الممكن».
وتعني أنها إرادة تحكمها فكرة الاستطاعة؛ فالممكن أن تقدر على إيجاد حل وسطي، وليس بالضرورة منصفًا أو عادلاً أو يتوافق مع أهدافك ومصالحك، ولكن يُخرج البلاد أو الأمر من الأزمة.
كان ذلك هو النهج السياسي منذ الأزل، وكان الخليفة الأموي قد أطلقها بعبارة أكثر دقة في وصفه الشهير لشعرته أو علاقته مع الناس.
المتغير في الغرب حاليًا أن السياسة الداخلية لم تعد فنًّا الممكن، بل أعمالاً وأفعالاً تحت مظلة القانون؛ ولهذا لم تعد القضية علاقة مع المجهول، وتحكمها المصالح الحزبية والاستطاعة والظروف، أو الرغبات. ويظهر الأمر في ذلك التقييد الواضح لسلطة الرئيس في قراراته من المؤسسات العليا.
مقابل هذا التجاوز لفن الممكن السياسي تبرز مقولة شهيرة لماو تسي تونغ في المشهد الحالي، هي: «السياسة حرب بلا سفك دماء، بينما الحرب السياسة التي تسفك الدماء». ويظهر الجزء الأول من العبارة في السياسة الأمريكية الحالية؛ فالرئيس يعلن الحرب على الجميع داخليًّا وخارجيًّا، لكن بدون سفك للدماء، لكن يحاول قدر الإمكان الالتزام بالقانون حتى لا يخسر معركته الانتخابية القادمة.
بينما ينطبق الجزء الثاني من العبارة - وهو أن الحرب هي السياسة التي تسفك الدماء - على سياسة إيران الحالية؛ فسياستها الحالية تؤدي إلى سفك دماء الأبرياء في الدول المجاورة، وذلك من خلال استخدام سياسة تمويل الحروب خارج أراضيها؛ وذلك من أجل أفكار شديدة التطرف ومصالح ضيقة للغاية.
قد يفسر الطرح أعلاه المشهد في مضيق هرمز؛ فالسياسة التي هي حرب بلا سفك للدماء، تحكم حاليًا القرار الأمريكي والدولي؛ ولهذا سيكون هناك مزيد من الحصار الاقتصادي على إيران، لكن إيران لن تتوقف في حربها؛ فسياستها قائمة على الدموية وإشعال المنطقة من خلال سياسة التحكم من بعد، وستظل المنطقة على شفا من نار ما دام الحكم في إيران يعتمد على أيديولوجية ضيقة، تقوم على كراهية جيرانها.
ينتظر أبناء المنطقة خروج زعيم سياسي إيراني، يدرك جيدًا معنى عبارة «السياسة هي فن الممكن» في دولة اللاقانون، وأن الأمر لا يتعلق بالحقيقة الأيديولوجية، وبما هو صحيح أو ما هو أفضل، إنما يتعلق بما يمكنك فعله بالفعل للخروج من حالة الحرب والدمار في المنطقة.
وفن الممكن يعني على وجه التحديد فلسفة سياسية، تقدم البراغماتية على الأهداف الأيديولوجية؛ ولهذا فشل الأصوليون والمحافظون عبر التاريخ في إدارة ملفات السياسة، وعادة ما تسقط الدول عندما يحكم أولئك الذين يؤمنون بأن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.