م. بدر بن ناصر الحمدان
المتابع لوزارة الثقافة السعودية منذ تأسيسها في يونيو 2018م وإعلانها عن فلسفة المستقبل، يمكنه رصد «أحداث استثنائية» في انطلاق رحلتها نحو جعل «الثقافة كنمط حياة»، و»الثقافة من أجل النمو الاقتصادي»، و»الثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية»، وتحويل قطاع الثقافة إلى مساهم رئيس في تحقيق الركائز الإستراتيجية الثلاث لرؤية المملكة 2030، والمتمثلة في بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
ما يحدث في أروقة وزارة الثقافة اليوم من عمل نوعي هو سيناريو قد لا يتكرر كثيراً على مستوى التجربة الحكومية في تأسيس أجهزتها التنفيذية، وقد يكون من النادر أن يستطيع قطاع حكومي ناشئ من بناء شخصية «مختلفة» للقطاع العام، هذا كان ظاهراً وبشكل كبير في «عقلية» الإدارة المحترفة لأرضية التأسيس التي تعكف عليها الوزارة، وهي عادة ما تمثل المرحلة الأكثر صعوبة في دورة حياة أي كيان إداري.
على مستوى «القيادة الشخصية»، يقدم سمو وزير الثقافة نفسه «كمسؤول» شاب يحمل على عاتقه صناعة التغيير وفق أساليب «مبتكرة» و»غير تقليدية» تُعبّر عن «إرادة جادة» في الانفتاح نحو كل «الأفكار الطموحة» والتفاعل مع «أوعية الإبداع»، وبدا قادراً من اليوم الأول على تقديم نموذج عملي «محترفاً» لتجاوز مرحلة «التخندق» التي عادة ما يقع في شراكها الكثير من المسؤولين الحكوميين.
شخصية وزير الثقافة اليوم باتت «كاريزما» وطنية يطمح لمحاكاتها «عملياً» جيل بأكمله من الشباب السعودي، ذلك يرجع لمجموعة «القيم» و»الأخلاقيات» التي يتمتع بها تجاه فريق العمل الذي يشرف عليه، وتجاه شركاؤه الآخرون، وهذا بحد ذاته يعتبر «أيقونة» رئيسة لضمان تأسيس بيئة عمل تعتمد على نشر ثقافة « الاحترام» كأحد أهم أدوات التحفيز، هذا الأمر لا يأتي من فراغ، بل هو نتاج لسلسلة متراكمة من «المعرفة» و»الخبرة» و»السمو».
فريق التأسيس استطاع وفي فترة وجيزة أن يتعامل بمهارة عالية مع «ملفات ساخنة» و»بالغة التعقيد» بالرغم من حداثة التجربة، وقرّر هو الآخر أن يظهر بأسلوب عمل مختلف، وبمنظومة إجراءات «مرنة» اختصرت الكثير من الجهد والوقت وأعمال التنسيق مع الشركاء من ذوي العلاقة، بما يبرهن أن ثمة مرحلة قادمة أكثر «نضجاً»، هي بلا شك خلاصة التجربة العالمية في حوكمة المنظمات ذات التأثير.
أكثر ما لفت انتباهي في هذه التجربة «الطموحة» هي الاعتماد على «جيل شاب» و»مؤهل» من أبناء هذا الوطن من الجنسين، ومنحهم المساحة الكافية لممارسة ما تعلموه وأتقنوه من مهارات على أرض الواقع، وهذا من وجهة نظري «قرار» إستراتيجي سيكون له أثره الإيجابي، وأبعاده المستقبلية للاستثمار في «العقول السعودية» لقيادة التغيير، وهذا ما يحتمه «الغد القادم» لا محالة.
وتيرة العمل في منظومة «السعودية الجديدة» لم تعد تقبل أو تحتمل أية سيناريوهات إدارية وتنظيمية في بناء أجهزتها، وبرمجة أعمالها، لذلك يجب أن تُمكّن «المبادرات الطموحة» من الانطلاق نحو الأمام، وتُسخّر لها كل الطاقات، فنحن بحاجة إلى قصص نجاح «لم تُروى بعد».
كونوا على الموعد، فأنا أجزم أننا سنكون أمام تجربة «استثنائية» و»محتذاة» لمؤسسة حكومية «طموحة» مثل «وزارة الثقافة».