عمر إبراهيم الرشيد
هناك قصة تُروى عن نزيلين في غرفة من غرف قسم إصابات العمود الفقري في أحد المستشفيات. كان المريضان مجبرين على الاستلقاء على الظهر، فقط كان مسموحاً لواحد منهما الجلوس لنصف ساعة في اليوم، وكان هذا مجاوراً للنافذة الوحيدة في الغرفة، وكان إذا جلس ينقل لصديقه الآخر ما يراه في الخارج من مشاهد، الحديقة المجاورة للمستشفى، البحيرة التي كان الناس يتنزهون عندها، الشمس المشرقة أو المطر، وغير ذلك مما يطرد الملل ويمنح شعوراً إيجابياً لجاره في الغرفة، حيث كان كل منهما يسلِّي صاحبه بالحديث طوال اليوم.
دخلت الممرضة في الصباح كعادتها للاطمئنان ومتابعة حالتهما فوجدت النزيل المجاور للنافذة قد فارق الحياة، حزن صاحبه لفراقه، ثم إنه تحامل على نفسه فطلب من الممرضة نقله إلى حيث كان صاحبه بجوار النافذة حتى يحاول استراق النظر ولو قليلاً إلى الخارج ورؤية المناظر المتاحة. وبالفعل أخذ بمحاولة رفع ظهره للنظر خارج النافذة، لكنه حين فعل لم يشاهد إلا جدار مبنى المستشفى أمام النافذة، طلب الممرضة فسألها إن كان هناك نافذة أخرى في الغرفة فأجابت بالنفي وسألته عن مقصده، فأخبرها بأن شريكه المتوفى كان يصف له المشهد الخارجي للناس والبحيرة والحديقة وغيرها كل يوم، أجابته بأن شريك غرفته كان أعمى ولم يكن أمام النافذة إلا جدار المبنى. كان هذا النزيل أعمى بصراً إنما بروح مشرقة وبصيرة وإيجابية لا تحقر من المعروف شيئاً، وسبحان خالق البشر على اختلاف معادنهم، أرواحهم، طبائعهم وعقولهم. هناك من سخَّره الله لمنفعة الناس دون تكلُّف أو كلل أو منَّة، وكأنه يفعل ذلك باعتياد وتلقائية فينفع الله به الخلق والخلائق، ترون ذلك في دائرة حكومية، في الشارع، في الجامعة أو في أي مكان. لا أنسى مرة حين ترجّلت من سيارتي وتركتها في وضع التشغيل ودخلت غرفة صراف آلي، فجاءني رجل لا أعرفه ولامني على خطئي مبيِّناً حوادث سرقات السيارات، وحين خرجت وجدت الرجل واقفاً عند سيارتي يحرسها فانظروا سمو النفس! بعض من نواجههم يستكثر حتى رد السلام، والبعض الآخر يعاملك في دائرة حكومية أو خاصة وكأنه يصرف من جيبه على المنشأة وعلى الناس. أنا متفائل وأرجو أن تكونوا كذلك، فالتحديث في الأنظمة والتحول التنموي الذي نمر به وتشديد الرقابة يبعث على التفاؤل والإيجابية، واللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.