رمضان جريدي العنزي
نترقب الإجازة بالساعة والوقت والحين، نتفقد صلاحية جواز السفر، نحدد البلد الذي ننوي السفر له، نجتهد بمعرفة طقسه وجغرافيته وساعات الطيران إليه، نشتري التذاكر والملابس والأحذية والشامبوهات والعطور والإكسسوارات التي نحتاجها، نجهز قائمة بكافة الأغراض التي نحتاج إليها، نشتري الشنط الجيدة التي تحفظ لنا الأغراض والحاجيات، نرتب الأمتعة ونحزمها جيداً، بعد التأكد من كل شيء بالدقة والحرص والتمام، ننطلق إلى وجهة السفر، نبتغي المتعة والبهجة والسرور، عند الوصول للجهة المقصودة، نبحث عن أفضل الأمكنة طقساً وطبيعةً ومرحاً، ونصرف على ذلك بلا حد ولا عد ولا ضبط، نبتغي جلب المتعة والفرح، والترويح على النفس والقلب والبدن، نبحث عن الأنهار والبحيرات والروابي، والأحصنة الراكضة في السهوب، وعن عشب وماء وظل شجرة وارفة، نبحث عن المنتجعات والملاهي والنوادي والأسواق، نأكل ونشتري ونصور، نلعب ونلهو ونمشي ونركض بلا فتور، نسهر حد الصباح وننام النهار كله، هكذا تكون الإجازة كلها.. ثم نرجع من بعد الإجازة كما كنا، نعيش الروتين الممل والعمل والتوتر والقلق، ونرقب الإجازة المقبلة بحساب دقيق وعجل، أن السفر متعة ومعرفة، وراحة بال، وتغيير نمط حياة، وتنفيس عن عناء العمل، ونزهة وفرجة، لكن ما أحوجنا ونحن نسافر كثيراً في الدنيا، أن نتذكر السفر الطويل الذي لا رجعة بعده إلى عالم الدنيا، وما أقربه من كل حي منا، وأن نعد لهذا السفر الطويل عدته بدقة متناهية، وأن لا يلهينا سفر الدنيا عن سفر الآخرة، فنهيئ الزاد ليوم المعاد، عملاً وقولاً وعبادة وتعاملاً حسناً، وبراً وإحساناً، وعطاءً وخلقاً طيباً، وتواصلاً مع الناس، وحفظ فرج، وحفظ لسان، وحفظ جوارح، وبذلاً وإيثاراً ومساعدة.. وأن لا نغفل أو نتغافل عن ذلك مطلقاً، وأن نستغل اللحظة والجزء منها في التقرب إلى الله، عبادةً وذكراً وتسبيحاً وحمداً وتهليلاً وشكراً، ما دام الجسد سليماً، والقلب ينبض، والرئة تتنفس، والبصر حاداً، والبصيرة نافذة، والعقل يفكر.. فالكيس الفطن هو من يجعل كل خطواته رابحة، وكل أعماله خيراً.. فالدنيا مهما تجملت وتحسنت وتعطرت وزانت، تبقى دار ممر وليست دار مقر، ومنزل عبور، لا موطن حبور.. فينبغي للإنسان المؤمن أن يكون فيها على جناح سفر، يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم، فالسعيد من أتخذ لهذا السفر زاد يبلغه رضى الله والفوز بجنته والنجاة من ناره.