د. علي بن فايز الجحني
قلنا إن العقلاء لا يفضلون الحرب إلا إذا اضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم، وقلنا في السياق نفسه إنه من العجب أن يثق عقلاء العالم في نظام ولاية الفقيه في إيران، أو أن يقيموا معه تعاونًا ومصالحة إلا إذا تغير سلوك هذا النظام الذي يعتبر الراعي الأول للإرهاب الدولي، والمشاغب الأكبر، وناشر الطائفية والمذهبية في العالم، ومصدر الثورة والعنف والفتن، ومؤسس «جيش التحرير الشيعي» الذي يظهر للعالم الوجه الطائفي الإرهابي لهذا النظام؛ وهذا أكبر دليل على إصرارهم على استمرار الاعتداءات، وتأجيج الصراعات الطائفية في المنطقة والعالم من خلال ميليشياتهم في المنطقة، ومن خلال الحرس الثوري وغيرهم، مستخدمين القضية الفلسطينية ذريعة لمزايداتهم لخدمة مشاريعهم العدوانية.
وها هي مكابرة هذا النظام وانتهاكاته تبلغ مداها في المنطقة بالاعتداء على حركة الملاحة في الخليج: «يقتلون القتيل ويمشون في جنازته»، متوشحين بالزمجرة الفارغة، وتزييف الحقائق كعادتهم، وهم في الحقيقة واهمون ومصابون بالهوس حين يتخيلون أنهم سيفلتون من عقاب شعوبهم، ومحاسبة المجتمع الدولي عاجلاً أو آجلاً. من هنا نحن على يقين بأنه لا بد أن يدفع هذا النظام الظالم الإرهابي ثمن كل ما جنته يداه، وأن فرجًا قادمًا، كما وعدنا الباري عز وجل.
وعودًا إلى موضوع المقال، فإنه يبدو في ظل الأوضاع الحالية، وما عُرف عن هذا النظام أنه سيقبل في نهاية المطاف بالمفاوضات رغم تصعيداته، وأن هناك تحولاً في المواقف الأوروبية ضد إيران والانضمام إلى أمريكا، من هنا فإن احتمالية التفاوض قائمة رغم التصريحات المتناقضة من الجانب الإيراني التي تعكس التنازع حول عملية صنع القرار في طهران بين أطراف مختلفة. والعبرة بالنتائج؛ فهم لا محالة سيقدمون تنازلات رغم هوسهم بمشروعهم النووي، وأيديولوجيتهم الثورية الإرهابية، حتى وإن حصلت ضربة خاطفة فإن ما يحدث وراء الكواليس شيء آخر لا بد للعرب من الاستعداد لمفاجآته، ومن أي طرف كان. وسيكون نهجهم الخداع والاستجداء للبيت الأبيض بهدف غض الطرف عن بعض بنود النقاط الـ(12) التي سبق أن أعلن عنها الأمريكان، وسيقبلون ببعضها الآخر صوريًّا وتقية، واضطرارًا في زعمهم بغرض فك الحصار، وبعهدها لكل حادث حديث، بيد أن الأمر الذي سيستمرون فيه بإصرار وتكتم شديد هو السعي إلى امتلاك السلاح النووي رغبة في الهيمنة، وفرض سياسة الإملاءات، وإشباعًا لأحلام ثورتهم الخمينية وأطماعها في المنطقة.
ومن النقاط التي ربما يرى نظام الملالي البدء بها في عملية المفاوضات القادمة: مسألة إطلاق سراح المحتجزين الأمريكان في إيران، وهي الأسهل. أما البنود الأخرى المتضمنة سحب قواتهم وميليشياتهم من سوريا، وإنهاء الدعم الإرهابي لأذرعتهم في المنطقة، وما يتبع ذلك، فإن مساحة المناورة في هذه البنود أكبر.. وقديمًا قيل للمجرم «احلف قال جاني الفرج».
ومن هنا على الدول الخليجية والعربية المعنية زيادة الانتباه حتى لا تتكرر صفقة «الغدر الأمريكي» التي حدثت في عهد الرئيس أوباما. أما البنود الأخرى التي جاءت تحت عناوين «تخصيب اليورانيوم» والتفتيش، ووقف تطوير الصواريخ الباليستية، فستكون مجالاً واسعًا للإغراق في الشكليات، وإطالة أمد المفاوضات، وسياسة الالتفاف والمراوغة على أمل حدوث مفاجأة لصالحهم في الانتخابات الأمريكية القادمة.
وفى كل الأحوال، فإن صنّاع القرار في الدول العربية عامة، والخليجية خاصة، يتابعون كل تفاعلات الأزمة، ولا أحد يثق بالوعود الوهمية إلا بحضور مؤثر، وضمانات حقيقية؛ لأن العالم فعلاً ضاق ذرعًا بمناورات النظام الإيراني، وبدعمه للإرهاب، وتدخلاته السافرة، وبالازدواجية في المواقف لدى بعض الدول: «يلعنون إبليس في العلانية وهم أصدقاؤه في السر».
وهناك مسألة أخرى، على الدول المعنية بمكافحة تمويل الإرهاب التركيز عليها أكثر، هي أن المرجعيات الدينية الإيرانية وتوابعها أشبه بشركات جباية منظمة، تقدر مدخولاتها سنويًّا بأكثر من «12» مليار دولار. وتذكر المصادر ارتفاع حجم أرصدة «66» شخصية من كبار الملالي، وأنهم يمتلكون في المصارف خارج إيران أرصدة يبلغ مجموع إيداعاتها مئات المليارات من الدولارات، ومن هنا يأتي دعم وتمويل الإرهاب، وتغذية وكلاء الشر في المنطقة، إضافة إلى ما يخصصونه أصلاً من ميزانية الشعب الإيراني وقوته لهذه الأنشطة الإرهابية، وأن قرار الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على مرشد النظام علي خامنئي، وآخرين من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، بعد أن تم أيضًا إدراج الحرس الثوري مؤخرًا على لائحة الإرهاب، كل ذلك قد أصابهم في مقتل.