د. أحمد الفراج
كتبت في المقال الماضي عن مؤرِّخي الرئاسة الأمريكيين، وعن براعتهم في الكتابة والحديث عن رؤساء الإمبراطورية الأمريكية، واتفاقهم على أفضل الرؤساء عبر التاريخ الأمريكي، وذكرت اثنين منهم، جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، أما الثالث فهو إبراهام لينكولن، السياسي البارع والخطيب المفوّه والداهية سلماً وحرباً، وهو الذي أخذ على عاتقه قضية تحرير السود من الرق، وقاد حرباً ضد الولايات التي رفضت تحرير السود، أي ولايات الجنوب، التي غضبت من لينكولن، فقرَّرت الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأسّست دولتها التي أسمتها: «الولايات الكونفيدرالية المتحدة»، إذ لم تكن تلك الولايات على استعداد لتحرير السود، فهي تعتمد عليهم في الزراعة، التي تعتبر عماد الاقتصاد في تلك الولايات العنصرية، إذ كان الإقطاعيون يتعاملون مع السود بمنتهى القسوة والعنف، ويسخّرونهم لخدمتهم في ظروف غير إنسانية.
ورغم أن الرئيس لينكولن ذاته هو نتاج ذلك العصر، إذ يروي المؤرِّخون أنه كان يرى أن السود في منزلة أدنى من البيض، إلا أنه كان ضد استعبادهم، ولذا كان شجاعاً وواجه ولايات الجنوب الانفصالية، وكانت الحرب طويلة وعنيفة، وصل الحقد فيها بين الأطراف منتهاه، فالجنوبيون مصمّمون على تحدّي لينكولن والحكومة الفيدرالية، ولينكولن كان يريد الحفاظ على وحدة الولايات المتحدة، فهو مناصر قويّ للحريات والحقوق، وبعد سنوات من الصراعات الدامية، انتصر لينكولن، وأعاد توحيد أمريكا، وهو التوحيد، الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، ولذا يجمع المؤرِّخون على أنه أحد أفضل ثلاثة رؤساء، بجانب واشنطن وروزفلت، ولم يكن تصنيفه هذا بسبب انتصاره في الحرب فقط، بل لأنه كان أيضاً قائداً ملهماً، له سياساته التي خلّدها التاريخ، وإذا كان المؤرِّخون يصنّفون لينكولن كواحد من أفضل ثلاثة رؤساء، إلا أنني أراه الأفضل بلا منازع، عطفاً على سيرته السياسية، وأنصح بهذه المناسبة كل من يهتم بالتاريخ الأمريكي أن يشاهد فيلم: «لينكولن»، الذي استطاع أن يجسِّد سيرة هذا الرئيس الاستثنائي ببراعة شديدة، وسيتواصل الحديث.