ياسر صالح البهيجان
منذ أن بدأت بريطانيا بإتمام مهمة خروجها من منظومة الاتحاد الأوربي، وهي تتخذ خطوات جريئة للعب دور أكبر في العديد من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. الخروج أزاح القيود المفروضة عليها في إطار اتفاقيات توحيد الموقف الأوروبي إزاء القضايا الراهنة. بات الموقف البريطاني منسجمًا مع مواقف واشنطن، وتحديدًا فيما يتصل بحجم التهديد الذي يشكِّله النظام الإيراني للملاحة الدوليّة. وهو ما يشير إلى أن انسحاب بريطانيا من الاتفاق النووي المشؤوم مسألة وقت لا أكثر. والتصعيد الإيراني في المنطقة سيشكِّل حافزًا لفرض عقوبات على النفط الإيراني أسوة بالقرار الأمريكي الصائب في هذا الاتجاه.
بريطانيا أعلنت أنها ستنشر المدمرة دنكان في الخليج؛ لتحافظ على وجودها المستمر هناك في وقت يتسم بالتوتر الشديد في المنطقة. سبق ذلك القرار رفع المملكة المتحدة لمستوى أمن الملاحة لأعلى مستوى بالنسبة للسفن البريطانية المارة بالمياه الإيرانية، مؤكدة أنها حازمة في دفاعها عن مصالحها البحرية في الخليج. التحرك البريطاني تزامن معه تحرك أمريكي كذلك، بإعلان الأسطول الأمريكي الخامس إنه يعمل عن كثب مع البحرية الملكية البريطانية وشركاء إقليميين ودوليين لحماية حرية الملاحة.
الموقف البريطاني إزاء الخروقات الإيرانية لقوانين الملاحة الدولية، يمهّد لإنشاء تحالف عسكري دولي لحماية المياه الإستراتيجية قبالة كل من إيران واليمن، وهو ما صرَّح به رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، الذي أكد أن واشنطن بدأت بإعداد خطة لذلك.
الصدام البريطاني الإيراني لم يكن مفاجئًا في ظل حجم مراهقة النظام الإيراني الذي بلغ حدًا لا يمكن الصمت حياله. وبدلاً من الكف عن تمويل المنظمات والجماعات الإرهابية في المنطقة، مارس الإيرانيون سياسة الهروب إلى الأمام بتهديد الملاحة الدولية، وهو سلوك صبياني يكشف عن أن نظام طهران لا يزال محشورًا داخل عقدة الثورة المزعومة ولم يرتقِ بعد إلى مستوى الدولة المدركة لواجباتها في الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية، ما يعني أن التحالف العسكري الدولي أصبح حاجة ملحة لإيقاف تمرد ذلك النظام الأهوج.
ومن الحكمة أن تنتهج الدول الموقِّعة على الاتفاق النووي نهج واشنطن في الانسحاب العاجل منه كجزء من مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ذاك الاتفاق آيل للسقوط لا محالة، إذ لا يمكن توقّع أن تلتزم طهران بما نصّت عليه البنود المتفق عليها، فضلاً عن أنها بنود مترهلة ولم تقدِّر حجم التهديد والخطر الذي يشكِّله ذلك النظام الميليشيوي على المنطقة من جانب، والاقتصاد الدولي من جانب آخر.