د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا الاسم من الأسماء النادرة في بلادنا، سمى به أستاذنا الدكتور عبدالغفور بن إسماعيل روزي ابنته، وسألته عن علة التسمية فقال وجدته في كتب تاريخ الأندلس، والدكتور هو أستاذ تاريخ الأندلس، وقد بحثت عن الاسم فوجدته في ص164 من كتاب (المقتبس من أنباء أهل الأندلس) لأبي حيان القرطبي، حققه محمود علي مكي، ونشر في القاهرة، سنة 1994م. وقد ضبط الاسم في الكتاب هكذا (تَمْلال) بفتح التاء وتسكين الميم، ومن الواضح أن أستاذنا أعجبه الاسمُ جرسُه وغرابتُه، ومن أهم دوافع التسمية أن يُسمَّى بألفاظ لجرسها أو لغرابتها(1).
ولم أجد هذا اللفظ (تَمْلال) في معاجمنا ولا كتبنا اللغوية؛ ولكنه مصدر للفعل (ملّ)، جاء في مختار الصحاح عن الفعل (ملّ) «(مَلَّ) الشَّيْءَ وَمَلَّ مِنَ الشَّيْءِ يَمَلُّ بِالْفَتْحِ (مَلَلًا) وَ(مَلَّةً) وَ(مَلَالَةً) أَيْضًا أَيْ سَئِمَهُ... وَأَمَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَعْنَى أَمْلَى، يُقَالُ: أَمْلَلْتُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ. وَ(مَلَّ) الْخُبْزَةَ مِنْ بَابِ رَدَّ وَ(امْتَلَّهَا) أَيْ عَمِلَهَا فِي (الْمَلَّةِ)... لِأَنَّ (الْمَلَّةَ) الرَّمَادُ الْحَارُّ». ونستطيع القول: ملَّ الشيء تَمْلالًا سئمه، أو ملَّ الخبزة تَمْلالًا أي خبزها على الرماد الحار.
وتَمْلال من المصادر التي جاءت مزيدة للمبالغة، قال ابن يعيش «هذا الفصل قد اشتمل على ما جاء مصدرُ (فَعَلْتُ) فيه على غيرِ ما يجب له، بأن زِيدَ فيه زوائدُ للإيذان بكثرة المصدر وتكريره، كما جاءت (فَعَّلْتُ) بتضعيف العين لتكثير الفعل وتكريره، وذلك قولك في (الهَدْر): (التَّهْدار). يُقال: «هَدَرَ الشَّرابُ يَهْدِرُ هَدْرًا وتَهْدارًا» إذا غَلَى، فالتهدارُ: الهَدْرُ الكثير. وقالوا في اللعْب: (التلْعاب)، وفي (الصَّفْق): (التَّصْفاق) وفي (الرَّدّ): (التَّرْداد)، وفي (الجَوَلان): (التَّجْوال)، وفي (القَتْل): (التَّقْتال) وفي (السير) (التَّسْيار)، فليس في هذه المصادر ما هو جارٍ على (فَعَلَ) لكن لما أردت التكثير؛ عدلتَ عن مصادرها، وزدتَ فيها ما يدل على التكثير؛ لأنّ قوّة اللفظ تُؤذِن بقوّة المعنى، ألا ترى أنّهم يقولون: (خَشُنَ الشيءُ)، وإذا أرادوا الكثرة والمبالغة، قالوا: (اخْشَوْشَنَ)، وقالوا: (عَشُبَت الأرضُ)، وإذا أرادوا الكثرة، قالوا: (اعْشَوْشَبَت)، فهي مصادرُ جرت على غير أفعالها. وقال الكوفيون: (التَّفْعال) هنا بمنزلة التَّفْعِيل، ولا بأسَ به؛ لأنّ (التفعيل) مصدرُ (فَعَّلَ)، وهو بناءُ كثرة فلم يأتوا بلفظه؛ لئلّا يُتوهّم أنّه منه، فغيّروا الياء بالألف»(2)، فالبصريون يرون مثل تَمْلال مصدرًا للفعل الثلاثي المجرد (ملّ)، وأما الكوفيين فيرونه مصدرًا للفعل المزيد (مَلَّلَ) الذي قياسه (تمليل) مثل علّم تعليمًا، ولكن الياء في قولهم جعلت ألفًا (تَمْلالًا).
ورجّح مجمع اللغة العربية في القاهرة قياس هذا المصدر (تَفْعال)، قال عباس حسن «أخذ مجمع اللغة العربية القاهري بهذا الأظهر [قياس تَفْعال] بعد دراسة وافية، ورجوع لآراء المتقدمين ومنها: «ما قاله صاحب التسهيل، ونصه: (قد يغني في التكثير عن التفعيل تَفْعال)، فقال شارحه ابن أم قاسم ما نصه: (ظاهر كلام النحويين أنه مقيس، وقد نص بعضهم على أنه مقيس) ا. هـ. راجع ص257 الجلسة السابعة من محاضر الدورة العاشرة»(3).
** **
(1) ينظر: أبو أوس إبراهيم الشمسان، أسماء الناس في المملكة العربية السعودية، ص41 وما بعدها.
(2) ابن يعيش، شرح المفصل لابن يعيش، 4: 67.
(3) عباس حسن، النحو الوافي، 3: 200.