ميسون أبو بكر
حين حدثتني د. وفاء المبيريك قبل عامين عن حملة التوفير والادخار المنبثقة من جمعية ريادة الأعمال في منطقة الرياض التي ترأسها سمو الأميرة نورة بنت محمد حرم أمير الرياض؛ تساءلت وقتها إن كان تحقيق فكرة الادخار أمرًا ممكنًا وإن كانت ثقافته دخيلة على مجتمعنا ولأكون أدق في ثقافة الجيل الحالي الذي يؤمن بمقولة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».
الادخار هو ثقافة أجدادنا الذين عانوا في السابق من صعوبة الحياة فكثيرًا ما سمعت من جدتي عبارة «خلي قرشك الأبيض ليومك الأسود»، لكن اليوم في زمن الماركات وهوس السفر وتقليد مشاهير السناب أصبح الادخار أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلا عند البعض، وبسب الراتب المتدني أيضا كما يشتكي كثيرون.
كما تقول دراسات فإن الادخار هو ثقافة غربية بامتياز، حيث له أسباب عديدة منها الدراسة أو تأمين الشيخوخة بينما في مجتمعاتنا يعتمد معظم الطلاب على منح الدولة أو التعليم المجاني، لذلك تضعف حوافز الادخار عند الشاب الذي تعود أن يعتمد على والديه في الكثير من شؤون حياته حتى متطلبات الزواج أحيانًا، ولا أنسى جملاً سمعتها من أكثر من أب أنه يعمل ليؤمن أبناءه من بعده، وهو أمر مرفوض في ثقافتي الشخصية، لأنه مقارنة بأصدقائي في الغرب نمضي العمر لنصنع أبناء اتكاليين وتمضي أجمل سنوات العمر ونحن لا نستمتع بلحظاته.
لن أصدمك عزيزي القارئ في الدراسة التي قام بها البنك الدولي -فهي نتيجة نتوقعها جميعًا- تقول إن 78 % من النساء لا يستطعن الادخار، بينما تقل النسبة كثيرا عند الرجال لتصل 36 %!!
وهذا يدل أن الادخار ثقافة لم ترسخ فينا جيدًا ولم نرسخها في أبنائنا، لتصبح ثقافة حياة، وإحساس يتعمق فيهم منذ طفولتهم.
بدأت أدخر ولو أن المبلغ بسيط، ووعدت نفسي ألا أضطر لإنفاق هذا المبلغ إلا على أمر ضروري، واعترافي هذا مغامرة لأنني سأجد بعد قراءة هذا المقال عددًا من الاتصالات لمصادرة هذا المبلغ البسيط -على سبيل الدعابة- حيث قررت منذ أشهر قليلة على تقليد أصدقاء فرنسيين في هذه الثقافة التي تنمو داخلنا حين نصبح أكثر نضجًا ووعيًا، وحين ندرك أن التغييرات الاقتصادية تحتاج لإعادة النظر في ثقافة الاستهلاك، وأن هناك عددًا من الحيل المالية التي يمكن أن نتحايل بها على أنفسنا لادخار ولو القليل جدًا من المال، كانت جدتي تستخدم إحداها وهي الحيلة الذهبية -الاستثمار في الذهب- بخاصة الجنيهات التي حصلت عليها منها كمكافآت أو هدايا في مناسبات عديدة.
الكثير من الحملات ذكرت إحداها في بداية مقالي تساعد الشباب اليوم على الادخار، كما التوعية الإعلامية ولا أغفل دور البنوك التي لعبت دورًا فعالا في طرح صناديق للادخار من خلال استقطاع شهري من الراتب، سيكون الشاب أو الفتاة سعداء جدًا بعد مضي فترة من الزمن حين يشعرون أن هناك مبلغًا ماليًّا في حسابهم يمكنه أن يستغل لمشروعهم الخاص.
قد يصبح الادخار ثقافة ممكنة حين نغرسه مبكرًا في أبنائنا وحين نطلع على تجربة الغرب الناجحة في هذا الموضوع.