د.شريف بن محمد الأتربي
بدأ التعليم في المملكة العربية السعودية مع افتتاح العديد من المدارس في مناطق مختلفة من المملكة، تلاها إنشاء مديرية المعارف، ثم وزارة المعارف، وتلاها وزارة التعليم، ووزارة التعليم العالي، وأيضا المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وهي محور هذه المقالة.
وتعد الأعمال اليدوية والفنية أحد أهم الأعمال التي توفر آلافًا من الوظائف في جميع التخصصات، وتحرص كبريات الدول على تهيئة وتدريب العاملين في هذه الوظائف وتسليحهم بالمهارات اللازمة لأدائها أولا ثم تصنيفهم إلى فئات ومنحهم تراخيص للعمل لا يستطيعون ممارسة العمل من دونها؛ بل إن أغلبها يتم تجديده بصفة دورية ويخضع صاحبه لاختبارات تقييمية.
وقد حرصت المملكة العربية السعودية على أن توجد هيئة مشرفة على هذا النوع من التعليم فأنشأت المؤسسة العامَّة للتعليم الفني والتدريب المهني في عام 1400هـ - 1980م، التي بدورها تعمل على تنمية وتطوير القوى البشرية وإعدادها لتشارك في النهضة الصناعية والزراعية والتجارية للمجتمع، وكذلك تنويع مصادر الدخل للأسر السعودية بعيدًا عن الوظائف الإدارية والتخصصات العلمية.
والمؤسسة هي نتاج دمج بين مراكز تدريب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع المعاهد الصناعية والتجارية والزراعية التابعة لوزارة المعارف (آنذاك) في مؤسَّسة واحدة.
ورغم مرور ما يقارب النصف قرن على ظهور هذه المؤسسة إلا أن المردود الفعلي لها على سوق العمل ما زال ضعيفًا وهذا لا ينتقص من الجهود التي تبذلها المؤسسة لتعظيم دورها في سوق العمل بقدر ما هي مجموعة من العوامل التي تؤثر في مخرجاتها ولعل أبرز وأهم هذه العوامل النظرة المجتمعية لخريجي هذه المؤسسات مقارنة بخريجي الجامعات، ناهيك عن عزوف الكثير من أبناء المجتمع عن الالتحاق بها لما يتطلبه العمل من جهد بدني شاق وتدريب مستمر.
والمتفحص لسوق العمل الفني في المملكة يجد أن كل الوظائف تقريبًا تسيطر عليها العمالة الأجنبية الوافدة؛ بل إن كثيرًا من المهن تسيطر عليها جنسيات معينة دون غيرها وأصبح المواطن السعودي يبحث عنها لتنفيذ متطلباته دون غيرها من العمالة سواء الوطنية أو الأجنبية ولعل سوق البناء خير مثال على ذلك.
ولقد عمدت المؤسسة العامَّة للتعليم الفني والتدريب المهني إلى تنويع برامجها سواء التعليمية أو التدريبية فعملت على التوسع في إنشاء الكليات التقنية؛ لتغطي جميع مناطق المملكة، وتتوجّه هذه الكليات في برامجها إلى خريجي الثانوية العامة بأقسامها المختلفة؛ لاستيعاب شريحة من هؤلاء الخريجين بهدف تأهيلهم في التخصصات المهنية والتقنية والإدارية؛ إذ يحصل المتخرج على شهادة دبلوم متوسط -مساعد مهندس في أحد التخصصات التقنية أو المهنية أو الإدارية- كما توسعت المؤسسة في برنامج البكالوريوس في الكليات التقنية الذي يمنح الخريجين بكالوريوسًا تقنيًّا.
وكان للمرأة نصيب وافر من برامج المؤسسة، فقد حرصت المؤسسة على تنفيذ ذلك من خلال تدريب الفتيات، فتم افتتاح الكليات التقنية للبنات في كافة مناطق المملكة لتستوعب خريجات الثانوية العامة بكافة فروعها في عدد من التخصصات المهنية والتقنية التي يحتاجها سوق العمل المحلي، وتتناسب مع طبيعة المرأة، مثل تصميم وإنتاج الملابس، والتزيين النسائي، إضافة إلى التخصصات الإدارية مثل المحاسبة والإدارة المكتبية، والدعم الفني في تخصصات الحاسب الآلي.
ورغم كل الجهود المبذولة لتعظيم الاستفادة من اليد العاملة السعودية المهنية في سوق العمل ورغم صدور العديد من القوانين والتشريعات المنظمة له إلا أن الناتج الفعلي على أرض الواقع بعيد كل البعد عن الأهداف الموضوعة والنتائج المتوقعة، ولتحقيق هذه الأهداف والوصول للنتائج يجب أن تتضافر جميع الجهود بداية من المواطن الذي يستأجر الورش ويطلق سراح العمالة الوافدة فيها إلى جانب القضاء على سوق العمالة السائبة التي تنافس مع العمالة النظامية بطريقة غير متكافئة، ولعل من المقترحات التي يمكن أن تسهم في تحقيق الأهداف تشكيل هيئة عليا لتشغيل العمالة الفنية تعمل على توفير العديد من المجمعات الفنية وتؤجرها للشباب السعودي بمبالغ رمزية أو تشاركه في إدارتها ويمنح الشاب السعودي بعض التسهيلات التي تساعده على إدارة ورشته على أن ترتبط كل هذه الورش والمجمعات بنظام إلكتروني واحد للإدارة والتشغيل والتحصيل. كما يمكن أيضًا إطلاق العديد من الشركات الكبرى للعمالة الفنية الأخرى التي لا تعمل ضمن الورش بحيث يتم استقطاب الشباب السعودي خريج المؤسسة أو غيرها للانضمام إلى هذه الشركات والعمل تحت مظلتها بطريقة توفر له حياة كريمة ومدخولاً ماديًّا يلبي طموحه وأقرب هذه النماذج نجاحًا ما تم في سوق سيارات الأجرة وكيف أمكن لتطبيق إلكتروني أن يدير الملايين من البشر دون أي تعقيدات أو روتين قاتل.
إن العمالة الفنية كانت وستظل هي قاطرة التنمية البشرية والاقتصادية في الدول، وحين تطلق المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريف وولي عهده الأمير الشاب أيقونة العمل والنشاط في العالم كله محمد بن سلمان -يحفظهم الله- المشروعات التنموية فهي تهدف إلى أن يكون المردود المادي لها إلى أبناء الوطن وليس إلى خارجه سواء عن طريق القنوات النظامية أو غيرها مما يضر باقتصاد الدولة ويجعلها فريسة سهلة لعمالة فنية غالبًا غير مؤهلة ولكنها وجدت في سوق العمل السعودي لقمة سائغة تتناولها دون أدنى مقاومة أو منافسة.